الكرخ المكرم، وَقد ديس الْبسَاط النَّبَوِيّ الْمُعظم وَقد نهبت العترة العلوية، واستؤسرت الْعِصَابَة الهاشمية، وَقد حسن التَّمْثِيل بقول شخص من غزيه:
(أُمُور تضحك السُّفَهَاء مِنْهَا ... ويبكي من عواقبها اللبيب)
وَقد عزموا على نهب الْحلَّة والنيل بل سَوَّلت لَهُم أنفسهم أمرا فَصَبر جميل.
(أرى تَحت الرماد وميض نَار ... ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام)
(فَإِن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جئث وهام)
(فَقلت من التَّعَجُّب لَيْت شعري ... أأيقاظ أُميَّة أم نيام)
وَمِنْهَا:
(وَزِير رَضِي من حكمه وانتقامه ... بطي رقاع حشوها النّظم والنثر)
(كَمَا تسجع الورقاء وَهِي حمامة ... وَلَيْسَ لَهَا نهي يطاع وَلَا أَمر)
فلنأتيهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون.
(ووديعة من سر آل مُحَمَّد ... أودعتها إِن كنت من أمنائها)
(فَإِذا رَأَيْت الكوكبين تقارنا ... فِي الجدي عِنْد صباحها ومسائها)
(فهناك يُؤْخَذ ثأر آل مُحَمَّد ... وطلابها بِالتّرْكِ من أعدائها)
وَكن لما أَقُول بالمرصاد وَتَأَول أول النَّجْم واحرص وَالله أعلم.
وَكَانَ عَسْكَر بَغْدَاد مائَة ألف فَارس، فَحسن ابْن العلقمي وَأَمْثَاله للمستعصم قطعهم ليحمل إِلَى التتر متحصل إقطاعاتهم فَصَارَ عَسْكَر بَغْدَاد دون عشْرين ألفا فَأرْسل ابْن العلقمي إِلَى التتر أَخَاهُ يستدعيهم فَسَارُوا قَاصِدين بَغْدَاد فِي جحفل عَظِيم.
قلت: أَرَادَ ابْن العلقمي نصْرَة الشِّيعَة فنصر عَلَيْهِم وحاول الدّفع عَنْهُم فَدفع إِلَيْهِم، وسعى وَلَكِن فِي فسادهم، وعاضد وَلَكِن على سبي حريمهم وَأَوْلَادهمْ، وَجَاء بجيوش سلبت عَنهُ النِّعْمَة ونكبت الإِمَام وَالْأمة، وسفكت دِمَاء الشِّيعَة وَالسّنة، وخلدت عَلَيْهِ الْعَار واللعنة.
(وأتى الخائن الْخَبيث بمغل ... طبق الأَرْض بغيهم تطبيقاً)
(هَكَذَا ينصر الجهول أَخَاهُ ... وَمن الْبر مَا يكون عقوقاً)
وَالله أعلم.
وَخرج عَسْكَر الْخَلِيفَة لقتالهم ومقدمهم ركن الدّين الدواتدار واقتتلوا على مرحلَتَيْنِ من بَغْدَاد قتالاً شَدِيدا، فَانْهَزَمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة وَدخل بَعضهم بَغْدَاد وَسَار بَعضهم إِلَى جِهَة الشَّام وَنزل هولاكو على بَغْدَاد من الْجَانِب الشَّرْقِي، وَنزل الْمُقدم تاجو بالجانب الغربي على الْقرْيَة قبالة دَار الْخلَافَة.
وَخرج ابْن العلقمي إِلَى هولاكو فتوثق مِنْهُ لنَفسِهِ، وَعَاد إِلَى الْخَلِيفَة المستعصم