للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السفاح والمنصور ابْنا مُحَمَّد بن عَليّ الْمَذْكُور فأوسع لَهُ على سَرِيره وَسَأَلَهُ عَن حَاجته فَقَالَ: ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم عَليّ دين، فَأمر بقضائها، فَقَالَ لَهُ: وتستوصي بِابْني هذَيْن خيرا فَفعل فشكره وَقَالَ: وصلتك رحم فَلَمَّا ولى عَليّ قَالَ هِشَام لأَصْحَابه: إِن الشَّيْخ قد اخْتَلَّ وأسن وخلط فَصَارَ يَقُول: إِن هَذَا الْأَمر سينقل إِلَى وَلَده فَسَمعهُ عَليّ فَقَالَ: وَالله لَيَكُونن ذَلِك وليملكن هَذَانِ.

وَكَانَ عَظِيم الْمحل عِنْد أهل الْحجاز، كَانَ إِذا قدم مَكَّة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا، عطلت قُرَيْش مجالسها فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وهجرت مَوَاضِع حلقها ولزمت مَجْلِسه إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً لَهُ فَإِن قعد قعدوا وَإِن نَهَضَ نهضوا وَإِن مَشى مَشوا جَمِيعًا خَلفه وَحَوله وَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يخرج من الْحرم، وَكَانَ إِذا طَاف كَأَنَّمَا النَّاس حوله مشَاة وَهُوَ رَاكب من طوله.

وَكَانَ مَعَ هَذَا الطول إِلَى منْكب أَبِيه عبد الله، وَكَانَ عبد الله إِلَى منْكب أَبِيه الْعَبَّاس، وَكَانَ الْعَبَّاس إِلَى منْكب ابيه عبد الْمطلب، نظرت عَجُوز إِلَى عَليّ وَهُوَ يطوف فَقَالَت: من هَذَا الَّذِي فرع النَّاس فرع بِالْعينِ الْمُهْملَة - أَي علا عَلَيْهِم - فَقيل عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، فَقلت: لَا إِلَه إِلَّا الله إِن النَّاس ليرذلون عهدي بِالْعَبَّاسِ يطوف بِهَذَا الْبَيْت كَأَنَّهُ فسطاط أَبيض، وَذكر هَذَا كُله الْمبرد فِي " الْكَامِل ".

وَذكر أَن الْعَبَّاس كَانَ عَظِيم الصَّوْت وجاءتهم مرّة غازة وَقت الصَّباح فصاح واصباحاه فَلم تسمعه حَامِل فِي الْحَيّ إِلَّا وضعت، وَالله أعلم.

وفيهَا: سَار المغيث بن الْعَادِل بن الْكَامِل من الكرك، وَقد انضمت إِلَيْهِ البحرية إِلَى مصر فِي دست السلطنة فقاتله عَسَاكِر مصر ومماليك الْمعز أيبك وأكبرهم قطز الَّذِي ملك مصر والغنمي وبهادر فَانْهَزَمَ المغيث إِلَى الكرك فِي أَسْوَأ حَال ونهبت أثقاله ودهليزه.

وفيهَا: فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى توفّي الْملك النَّاصِر دَاوُد بن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب بِظَاهِر دمشق بقرية البويضا، ومولده سنة ثَلَاث وسِتمِائَة فعمره نَحْو ثَلَاث وَخمسين سنة وَكُنَّا ذكرنَا أَنه توجه إِلَى تيه بني إِسْرَائِيل فَأرْسل المغيث صَاحب الكرك وأحضره إِلَى بلد الشوبك، وَأمر بِحَفر مطمورة لَهُ، وَبَقِي النَّاصِر ممسكاً والمطمورة تحفر قدامه ليحبس فِيهَا فَطَلَبه المستعصم من بَغْدَاد ليقدمه على بعض العساكر لملتقى التتر فَأَخذه رَسُول الْخَلِيفَة قبل أَن تتمّ المطمورة، وَسَار بِهِ إِلَى جِهَة دمشق فَبَلغهُ اسْتِيلَاء التتر على بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة فَتَركه الرَّسُول وَمضى فَسَار دَاوُد إِلَى البويضا وَلحق النَّاس طاعون فَمَاتَ مِنْهُ.

فَخرج النَّاصِر يُوسُف صَاحب دمشق إِلَى البويضا وَأظْهر الْحزن عَلَيْهِ وَنَقله إِلَى الصالحية فدفنه بتربة وَالِده الْمُعظم، وَكَانَ النَّاصِر دَاوُد فَاضلا فِي النّظم والنثر، وَقَرَأَ العقليات على شمس الدّين عبد الحميد الخسرو شاهي تلميذ الرَّازِيّ وَمن شعره النَّاصِر دَاوُد:

<<  <  ج: ص:  >  >>