فَأقبل عَلَيْهِ، وشكى إِلَى صدر الدّين من الدماشقة، فَقَالَ صدر الدّين: أَنا رجل لست من دمشق وَإِنَّمَا أَنا من أهل الْمغرب وهنأه الشَّيْخ صدر الدّين بقصيدة جَيِّدَة أَولهَا:
(هَب النسيم فَعَاشَ من نفحاته ... وسرى سمير الْبَرْق فِي لمحاته)
(يطوي إِلَى حلب الفلا والشوق ... كل رِدَائه والوجد بعض حداته)
(مَا لَاحَ برق بالعواصم سَاطِع ... إِلَّا حَكَاهُ الْقلب فِي خفقاته)
(حَيا الحيا حَيا بمنعرج اللوى ... بانوا فَبَان الصَّبْر عَن باناته)
(حيوا على الْوَادي فأحيوا مَيتا ... مضنى قَتِيل ظبائه وظباته)
(يَا سعد ساعدني وَكن لي مخبرا ... فَالْخَبَر عز عَن الكئيب بِذَاتِهِ)
(هاتيك للساري تشب على الغضا ... أم ذَاك نور لَاحَ فِي مشكاته)
(أم هَذِه حلب بنائبها أشرقت ... شمس الممالك من سما بصفاته)
(شمس سما فَوق السماك مَحَله ... وسبى سناه الْبَدْر فِي هالاته)
(بِالسَّيْفِ والقلم ارْتقى فمضاء ذَا ... لعداته وَمضى ذَا لعداته)
(مَا الْبَحْر من نظرائه وكفاته ... بل ذَاك من وكفاته وكفاته)
(فالعلم بَين بَيَانه وبنانه ... والحلم من أدواته ودواته)
(وَحَدِيث كل الْجُود عِنْد مُسْند ... متواتر قد صَحَّ عِنْد وَرُوَاته)
(يروي فيروي كل ظمآن الحشا ... فَالنَّاس بَين رُوَاته وَرُوَاته)
(يَا مَالك الْأُمَرَاء بل يَا شمسهم ... يَا من أَضَاء الْكَوْن من بهجاته)
(قد كَانَ فِي حلب وَفِي سكانها ... شَرق إِلَيْك يشب فِي لفحاته)
(يبكي لغيبتك السَّحَاب وروضها ... يَرْجُو اللقا فافتر ثغر نَبَاته)
(وتمايلت أَغْصَانهَا طَربا وَقد ... غنى الْحمام ورن فِي باناته)
(وأتيتها بِالْعَدْلِ تشرق ربعهَا ... وتزيل ظلما زَاد فِي ظلماته)
(فتباشرت سكانها وربوعها ... ودعوا لمَالِكهَا على عوداته)
(النَّاصِر الْمَالِك الَّذِي خجل الحيا ... من جوده وَاللَّيْث من سطواته)
(إسكندر الدُّنْيَا وكسرى عصره ... لَو عَاشَ تبع مَاتَ من تبعاته)
(من اطد الدُّنْيَا وَسكن بِيَدِهَا ... أَو ضم بَيت الْملك بعد شتاته)
(تشتاقه بَغْدَاد وَهِي عروسه ... خطبَته واشتاقت إِلَى خطباته)
(فَالله ينصره ويحرس ملكه ... ويمتع الدُّنْيَا بطول حَيَاته)
وفيهَا: فِي ربيع الآخر أُعِيد ابْن جمَاعَة إِلَى قَضَاء الديار المصرية وتقرر المزرعي المصروف قَضَاء الْعَسْكَر.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى عزل كراي عَن نِيَابَة دمشق وَقيد وَحبس هُوَ وقطلو بك نَائِب صفد بالكرك وَقبض قبلهمَا على أسندمر من حلب، وسجن بالكرك وَفَرح النَّاس بنكبته فَرحا شَدِيدا ثمَّ نَاب بِدِمَشْق جمال الدّين أقوش الأشرفي الَّذِي يعرف بنائب الكرك.