قَاضِي حلب، فَقِيها كَبِيرا مُحدثا أصولياً متواضعاً مَعَ الضُّعَفَاء شَدِيدا على النواب.
قَالَ رَحمَه الله: دخلت وَأَنا صبي اشْتغل على الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ فَقَالَ لي: أَهلا بقاضي الْقُضَاة فَنَظَرت فَلم أجد عِنْده أحدا غَيْرِي فَقَالَ: اجْلِسْ يَا مدرس الشامية وَهَذَا من جملَة كشف الشَّيْخ محيي الدّين وَابْن النَّقِيب حكى هَذَا بحلب قبل تَوليته الشامية وَحكى لي يَوْمًا وَإِن كنت قد وقفت عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع من الْكتب أَنه رفع إِلَى أبي يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا مُسلم قتل فَحكم عَلَيْهِ بالقود فَأَتَاهُ رجل برقعة أَلْقَاهَا إِلَيْهِ فِيهَا:
(يَا قَاتل الْمُسلم بالكافر ... جرت وَمَا الْعَادِل كالجائر)
(يَا من بِبَغْدَاد وأعمالها ... من عُلَمَاء النَّاس أَو شَاعِر)
(استرجعوا وابكوا على دينكُمْ ... واصطبروا فالأجر للصابر)
فَبلغ الرشيد ذَلِك فَقَالَ لأبي يُوسُف تدارك هَذَا الْأَمر بحيلة لِئَلَّا تكون فتْنَة فطالب أَبُو يُوسُف أَصْحَاب الدَّم بِبَيِّنَة على صِحَة الذِّمَّة وثبوتها فَلم يَأْتُوا بهَا، فأسقط الْقود، وَحكى لنا يَوْمًا فِي بعض دروسه بحلب أَن مَسْأَلَة ألقيت على المدرسين وَالْفُقَهَاء بِدِمَشْق فَمَا حلهَا إِلَّا عَامل الْمدرسَة وَهِي رجل صلى الْخمس بِخَمْسَة وضوءات، وَبعد ذَلِك علم أَنه ترك مسح الرَّأْس فِي أحد الوضوءات فَتَوَضَّأ خمس وضوءات وَصلى الْخمس، ثمَّ تَيَقّن أَيْضا أَنه ترك مسح الرَّأْس فِي أحد الوضوءات.
الْجَواب: يتَوَضَّأ وَيُصلي الْعشَاء فَيخرج عَن الْعهْدَة بِيَقِين لِأَن الصَّلَاة المتروكة الْمسْح أَولا إِن كَانَت الْعشَاء فقد صحت الصَّلَوَات الْأَرْبَع قبلهَا، وَهَذِه الْعشَاء الْمَأْمُور بِفِعْلِهَا خَاتِمَة الْخمس وَإِن كَانَت غير الْعشَاء، فالعشاء الأولى والصلوات الْخمس الْمُعَادَة وَالْعشَاء الثَّالِثَة صَحِيحَة وغايته ترك مسح فِي تَجْدِيد وضوء لهَذَا يجب أَن يشْتَرط عدم الْحَدث إِلَى أَن يُصَلِّي الْخمس ثَانِيًا.
قلت: التَّحْقِيق أَن الْوضُوء ثَانِيًا كل يُغْنِيه عَنهُ مسح الرَّأْس وَغسل الرجلَيْن لِأَن الشَّرْط أَنه لم يحدث إِلَى أَن يُصَلِّي الْخمس ثَانِيًا وَكَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي للعجيب أَن يَقُول لَهُ: إِن كنت لم تحدث إِلَى الْآن فامسح رَأسك واغسل رجليك وصل الْعشَاء إِذْ الْجَدِيد عدم وجوب التَّتَابُع وَإِن كنت مُحدثا الْآن فَلَا بُد من الْوضُوء كَمَا قَالَ.
وفيهَا: اسْترْجع السُّلْطَان الْملك الصَّالح مَا بَاعه الْملك الْمُؤَيد وَابْنه الْأَفْضَل بحماه والمعرة وبلادهما من أَمْلَاك بَيت المَال وَهُوَ بأموال عَظِيمَة وَكَانَ غَالب الْملك قد طرح على النَّاس غصبا وَقد اشْتريت بِهِ تقادم إِلَى الْملك النَّاصِر فَقَالَ بعض المعربين فِي ذَلِك:
(طرحوا علينا الْملك طرح مصَادر ... ثمَّ استردوده بِلَا أَثمَان)
(وَإِذا يَد السُّلْطَان طَالَتْ واعتدت ... فيد الْإِلَه على يَد السُّلْطَان)
وكأنما كاشف هَذَا الْقَائِل فَإِن مُدَّة السُّلْطَان لم تطل بعد ذَلِك.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة: والتتر مُخْتَلفُونَ مقتتلون من جين مَاتَ القان