للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا يمكن - في الوقت الذي نراعي فيه عمليا وقلبيا محبة عالمية - أن تخلق في ظل هذه الأسرة العالمية الكبرى أسرة أصغر وأكثر ترابطا، وأكثر إدراكا لكيانها، وكأنها مجموعة من الخلايا تكوّن كيانا عضويا داخل ذلك الجسم الكبير؟

إن هذا الجمع الموفق بين الفضيلة العامة والفضيلة الجماعية هو الذي أبرمه القرآن الكريم؛ إذ يعلمنا في الواقع أن خارج الأخوة في الله توجد الأخوة في آدم (١)، وأن اختلاف المشاعر الدينية لا يجوز أن يحول بيننا وبين أن نبادل إخواننا في الإنسانية المحبة والإحسان (٢)، وأن قسوة الكفار علينا لا ينبغي أن تدفعنا إلى العدوان، ولا لأن نكون غير مقسطين في معاملتهم (٣) ولقد حرم على المؤمنين أن يتعاملوا بالربا مع أي إنسان (٤)، وبين أن التقيّ العادل في محيط‍ الجماعة الإسلامية هو كذلك خارجها (٥). وإذا كان على المسلم في بعض الظروف أن يبدى عناية خاصة في فك أسر إخوانه المسلمين (٦)، فإن عتق العبيد بوجه عام يعتبر إما إلتزاما عليه (٧)، وإما عملا يستحق التقدير (٨) ويحث عليه القرآن دائما (٩). وهكذا تتطور فكرة الفضيلة العامة التي أعلنها الإنجيل، وتتحدد أكثر فأكثر عندما تتسع لتشمل مجالات الحياة المختلفة. ولكن هل معنى ذلك أن الجماعة الإسلامية ستتراخى في


(١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: ١٠] يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: ١٣].
(٢) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٨].
(٣) وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ .. عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا [المائدة: ٢].
(٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: ٢٧٨].
(٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ ... بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:
٧٥ - ٧٦].
(٦) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها [النساء: ٧٥].
(٧) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ... وَفِي الرِّقابِ ... فَرِيضَةً مِنَ اللهِ [التوبة: ٦٠].
(٨ و ٩)) وَفِي الرِّقابِ [البقرة: ١٧٧] فَكُّ رَقَبَةٍ .. [البلد: ١٣].

<<  <   >  >>