ولكي نتمسك بهذه الحجة لا شك أن أول شرط يطلب إثباته أو طرحه هو صحة الشعر موضوع البحث. ولكننا لا ننوي أن نثير أي خلاف على هذه النقطة.
فإذا كان هناك بعض جامعي الشعر. مثل حماد وخلف الأحمر، قد اشتبه في أنهم لفقوا بعض الأشعار ونسبوها إلى القدماء بعد أن خلطوها بشعر هؤلاء، فإن تعميم هذا العمل المشبوه - بحيث يشكل كل الشعر العربي أو الجاهلي على الأقل - سيتضمن نوعا من المبالغة.
إلا أنه لا يكفي أن يكون النص صحيحا لكي يمكن اعتباره مصدرا للنص المشابه له، وإنما يجب أن يكون سابقا له في التاريخ. ولكن قضية أسبقية شعر أمية بالنسبة لآيات القرآن قضية مستحيلة الحل. لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وأمية قد عاصر كل منهما الآخر، وهما أيضا من نفس العمر تقريبا، فضلا عن أن أمية عاش واستمر في قرض الشعر طوال ما يقرب من ثماني سنوات بعد نزول آخرآية من سور القرآن المكية التي يوجد تشابه بينها وبين شعر أمية. بحيث يكون من التعسف الادعاء بأن هذا الشعر كان سابقا للقرآن من حيث التاريخ.
ونضيف أن أمية لم يدّع الأصالة ولا الإلهام، بل إنه كثيرا ما عبر عن خيبة أمله وأسفه في هذا الشأن، مما يحملنا على الإعتقاد بأنه قد اندفع إلى التقليد بروح المنافسة وعلى عكس ذلك، لقد أعلن محمد صلى الله عليه وسلم على مسمع من جميع معاصريه بأنه لم يتلق علمه من بشر. ولنأخذ في اعتبارنا موقف خصوم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع. فلقد كانوا دائما على يقظة لأقل ثغرة ليوجهوا من خلالها ضربتهم، ويحولوها إلى سخرية واستهزاء. ألم يكن من الأيسر لهم أن يضعوا يده على مسروقاته المفضوحة من شعر أمية الذي لم يكن قد جف مداده، بدلا من أن يوجهوا حججهم في كل اتجاه، وأن يلجأوا إلى كل افتراض، وصل إلى حد وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون لتفسير ظاهرة القرآن العجيبة؟.
ومن هذا نخلص - إن لم يكن بتأكيد - فعلى الأقل باحتمال كبير، بأن القرآن هو الذي كان أساس الإنتاج الأدبي في عصر نزوله، كما كان يقينا أساسه في