للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوقت، تعد فكرة غريبة لا تستقيم مع الحقائق المقررة. فلم يسبق في أي عصر من عصور التاريخ، وعند أكثر الشعوب تحضرا وعلما، أن وجدنا مثل هذا الربط‍ بين الجاهل وبين العالم المتخصص. فهذا الأخير وحده هو الذي يستطيع أن يتحدث عن «القنبلة الذرية» لأنه يعلم أسرارها، بينما الآخر لا يملك أكثر من ترديد اسمها دون أن يدري عن تركيبها شيئا. وكل هذا لا يعدو أن يكون تفكيرا مبنيا على الاستنتاج، لا يجوز الاعتماد عليه إلا في غياب الحقائق اليقينية، وإليك ما يقوله القرآن الكريم الذي لا يلتزم الصمت عن جدّة تعاليمه بالنسبة للعرب، بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مواضع كثيرة لا يفوته - وهو يقص بعض قصص القرآن - أن يؤكد أن محمدا صلى الله عليه وسلم - فضلا عن قومه - لم يكونوا يألفون أو يعلمون منها شيئا قبل نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم (١)، فإذا كان الأمر على خلاف ذلك، ماذا كان ينتظر من أعداء الإسلام؟.

وحتى على فرض تسرب بعض التفاصيل إلى معارف العرب البدائية، هل كان يستطيع محمد صلى الله عليه وسلم أن يثق بكل بساطة في علم الجماهير، وهو الذي كان يقف مما يرويه العلماء موقف التحدي؟ ونظرا لأن الأفكار التي كانت رائجة في هذا المجتمع الديني الكبير لم يكن لها اتجاه واحد، بل كان لكل من المشركين والصابئين ورجال الدين والفرس واليهود والنصارى أسلوبهم الخاص في عرض الحقيقة! ففي أي فريق من هؤلاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يضع ثقته؟ وعلى أي دعوة من هذه المتناقضات يعتمد؟ وهب أنه حرص على أن يقص علينا عقيدة كل طائفة، وكل مذهب، وكل فرع، من تلك المذاهب المعاصرة، فأي خليط‍ مخيف كنا


(١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران: ٤٤] تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: ٤٩] نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف: ٣] ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف: ١٠٢].

<<  <   >  >>