للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن نتصور أن بعض المعلومات الأخرى عن التوراة قد انتشرت بين طبقات الشعب العربي بفضل تلاقي هذه الأديان في الجزيرة العربية.

ولكن أسبابا كثيرة، تحول بيننا وبين أن نوسع من خيالنا في هذا الشأن منها:

أولا: عدم توفر الدعاية واختفاء الرؤساء الدينيين.

ثانيا: ندرة المعتنقين الجدد وتشتتهم - وبصفة خاصة - جهلهم.

ثالثا: اعتزاز العرب القدماء بجنسهم، وقلة اهتمامهم بالأمور التي لا تتعلق بمصالحهم المباشرة أو تاريخهم القومي.

رابعا: عدم وجود الموضوعات الدينية في أدبهم، فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة. ومن الجدير بالملاحظة هنا، أن نرى أن الاهتمام - حتى من جانب الذين سافروا وتعلموا - كان ينحصر في أشياء أخرى غير الأمور الدينية. فعندما أراد «النضر بن الحارث» منافسة القصص القرآني، شرع يقص على مستمعيه أساطير ملوك فارس القدامى، ومغامرات أبطالها، مثل رستم واسفندار (١) ... الخ، بدلا من قصص الأنبياء والمرسلين. وماذا كان ينشد النابغة الذبياني في شعره؟ يقول هوارت (٢): تاريخ الملك سليمان. ومعني ذلك أن بريق ومظاهر حياة البذخ هي التي كانت تستهوي العرب وقتئذ.

وإزاء سكوت التاريخ عن الدرجة الفعلية للمعارف المدونة، التي كانت تتوفر عند هذا الشعب الأمّي الغافل، فكل ما نستطيع عقلا أن ننسبه إليه يجب ألا يتعدى بعض المعلومات المبهمة والبدائية التي لا تختلف عما سبق توضيحه، ولا تهدينا إلى مصدر الحقائق القرآنية، بما اتصفت به من اتساع ودقة وعمق. والواقع أن تصور هذا الشعب الذي كان في عصر «الجاهلية» على درجة من العلم تؤهله للمشاركة في العلوم التي اقتصرت معارفها على بعض العلماء المعدودين في ذلك


(١) سيرة ابن هشام المجلد الأول ص ١٨٣.
(٢) المرجع السابق ص ١٣١.

<<  <   >  >>