للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه بكلمة وهو يتصل بالفكرة الشائعة عن مصطلح «النسخ» (١) أو «الإلغاء» في الإسلام. فالباحثون في الإسلام من غير المسلمين يفهمونها إما بمعنى الرجوع في أمر صادر، وإما بمعنى اكتشاف حقيقة كانت مجهولة فيما مضى. وكل من المعنيين لا يتفق مع مدلول اللفظ‍ الصحيح. ففي مجال المعرفة النظرية لم ولن يوجد ناسخ أو منسوخ في التعاليم المنزلة. ومعنى النسخ هنا «الحصول على علم جديد» فإذا طبقنا ذلك على علم الله سبحانه وتعالى، يكون ذلك عين الكفر واللامعقول، وعلى العكس في المجال العملي. فقد وجد النسخ بالفعل سواء في تعاليم الدين الواحد، أو في التعاليم من دين إلى دين آخر «لقد قالوا لكم كذا وأنا أقول لكم شيئا آخر». ولكن ما المقصود بمثل هذا التغيير؟ هل ينسخ القانون لأن التجارب أثبتت أنه كان مجافيا للعدل، أو كان مصاغا صياغة خاطئة منذ البداية؟


(١) وهو مصطلح ينطوي على اللبس منذ قديم. ويعني عمل نسخة خطية كما يعني «الإلغاء» ويستخدم في القانون والفقه بمعنى «وقف تطبيق قانون مؤقت» ولكن مع توسيع المعنى قصد به بعض المفسرين كل توضيح أو تحديد لمدلول أية عبارة. ولقد أسرف ابن حزم في استخدامه بهذا المعنى. وليس من النادر أن نقابل حتى في نفس الآية عبارة «إلا» أو «ولكن» فيعتبرها نسخا للمدلول العام أو للمدلول المقابل المشار إليه من قبل. وعلى هذا الأساس رأى النسخ في الآيات التالية سورة [البقرة آية ٦٠ - ١٩٦ - ٢٢٩ - ٢٣٣، وسورة النساءآية ١٩ - ٢٢ - ٢٣ - ١٤٦ وسورة المائدة آية ٣٤، وسورة مريم آية ٦٠، وسورة النورآية ٥، وسورة الفرقان آية ٧٠، وسورة الشعراءآية ٢٢٧، وسورة غافرآية ٨ - ٩] وفيما يلي نموذج لهذا الاستعمال الغريب الوارد في تفسيره لبداية سورة المزمل يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً.
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [آية ١ - ٣] فيقول إن «إِلاّ قَلِيلاً» نسخ «لليل» و «نِصْفَهُ» نسخ «إِلاّ قَلِيلاً»، و «أَوِ انْقُصْ» نسخ «نِصْفَهُ» ويعد على هذا الأساس ثلاث مواضع للنسخ في آية واحدة ومن المحتمل أن يستمر في الزيادة ... فهل نندهش إذا ذكر أن في القرآن ٢٢٤ موضعا منسوخا حسب تقديره؟ ويقول إن من ال‍ ٢٢٤ موضع ١١٤ ترجع تلك الفكرة العامة التي تتعلق بالحض (ولو من بعيد) على الصبر على أذى المشركين وهى أحكام مؤقتة كما هو معلوم إستبدلت بالتصريح بالمقاومة ومواجهة القوة بالقوة والجدير بالملاحظة هنا هي الطريقة التي نقل بها المستشرقون هذه الأفكار. فقد التقطوا هذا العدد دون أخذ تفسير ابن حزم لمعنى اللفظ‍ في الحسبان وأضافوا إليه مزيدا وقالوا بأن هذا هو عدد المتناقضات الموجودة في القرآن التي اعترف بها المسلمون أنفسهم باعتبارها ناتجة عن التقلبات السياسية (الكتاب السابق تأليف رنان ص ١٠٧٩) وانظر أيضا س. تسدال في «مصادر القرآن» باللغة الانجليزية ص ٢٧٨.

<<  <   >  >>