للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شخص أو الأشخاص الذين تلقى محمد صلّى الله عليه وسلم منهم العلم؟ لم يجسر أي مؤرّخ يقدر مسئوليته العلمية أن يفعل ذلك. ولكن كيف يمكن تصور أن محمدا صلّى الله عليه وسلم وهو يعيش وسط‍ حكماء اليهود لم يحاول قط‍ أن يتصل بهم؟ ومن جهة أخرى ماذا كان موقفهم منه؟

إن القرآن يرشدنا في هذا الشأن ويقسمهم إلى فئتين: الغالبية العظمى وكانت تعادي الإسلام حتى من قبل أن يدوس الرسول صلّى الله عليه وسلم أرض بلادهم - فقد كانت تخفي علمها عنه، وفي مناسبات عديدة، حاولت بلا جدوى خداعه وبث المكائد في طريقه. وكانوا أحيانا يلقون عليه عن طريق إخوانهم بأسئلة محرجة عن الروح (١)، وعن بعض الألغاز التاريخية (٢)، وأحيانا أخرى يطالبونه بأن ينزل عليهم من السماء كتابا مدونا (٣)، وأحيانا ينكرون نصوصا أكد الرسول صلّى الله عليه وسلم وجودها في كتبهم، ولا يعترفون بها إلا بعد تحديهم وإثبات غشهم (٤). وهكذا نرى أن هؤلاء كانوا بعيدين كل البعد عن موقف الملقن المتصف بالترحيب.

وبالعكس كان هناك فريق من علماء بني إسرائيل الذين ضاقوا ذرعا بادعاءات اليهود العنصرية وبغرورهم الذاتي، فحضروا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم ليستمعوا إلى تعاليمه وليتفحصوا وجهه. وعندما تعرفوا عليه في الحال - بناء على بعض العلامات الموجودة في كتبهم - شهدوا له بصدق رسالته (٥). وأشهر شخصية في هذا الفريق هو عبد الله بن سلام، والظروف التي أعلن فيها إسلامه لها دلالة


(١) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥].
(٢) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً والآيات التالية حتى آية ٢٥ [الكهف: ٩].
(٣) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ [النساء: ١٥٢].
(٤) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ. قُلْ صَدَقَ اللهُ [آل عمران:
٩٣ - ٩٥] وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ [المائدة: ٤٣].
(٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: ١٢١].

<<  <   >  >>