للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العون الإلهي لنجدتهم (١)، فلقد كان الغرس القديم - الدرس والقدوة - مثمرا وهو بعيد على أية دعاية جديدة. وكلما خفق الإيمان تحركت العداوة والقسوة لإخماده بدون رحمة أو شفقة تاركة عددا من الضحايا لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم.

ماذا يكون الحال إذن .. ؟ ألا أن المهاجرين والأنصار وهم في معزلهم الأمين الآن يتمتعون بحريتهم الكاملة في الإيمان والعبادة، يحق لهم أن ينطووا في أنانيتهم ولا يعيروا لمصير إخوانهم بمكة أي اهتمام؟ هل يجوز منطقيا وبدون تحامل، أن تحرم «الحقيقة» و «الفضيلة» من حقهما في تلقي العون، وأن نترك الاستبداد يشهر سلاحه ضدهما؟

ومع ذلك فهذا العون المادي المطلوب عن حق لم يقدمه المسلمون بسهولة على الأقل في صورته الحربية. وهنا أيضا يكفي أن نرجع إلى القرآن الكريم - وهو المصدر الممتاز الذي لم يعد أحد من العلماء يشك في صدقه وصحته تاريخيا - لكي نرى التردد والتراجع من جانب «الأحرار» أما المشروع العسكري الذي كان غرضه تحرير «الأسرى». ولقد تدخلت في هذا الموقف - بالإضافة إلي كراهية الحرب (٢)، وإلى غريزة حفظ‍ النفس (٣) - ظروف خاصة جعلت - الحرب في نظرهم غير معقولة، فقد فكر المسلمون وهم فى معسكرهم على هذا النحو: كيف نلقي بأنفسنا على غرة أمام عدو يفوقنا عدة وعددا وهو يهاجمنا؟ (٤) أليس من الأفضل القيام ببعض الأعمال الانتقامية غير المباشرة (٥) بحيث تشعر قريش بقوتنا


(١) وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء ٧٥].
(٢) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة - ٢١٦].
(٣) وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء - ٧٧ - ٧٨] أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء - ٤].
(٤) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ [النساء - ١٣].
(٥) من المعلوم أن المسلمين عندما هاجروا تركوا أموالهم وممتلكاتهم لقريش الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحج - ٤٠] فمن حقهم على الأقل أن يعوضوا ولو جزءا من بضائعهم وهذا هو ما يسميه «الدكتور سنكلير تسدال» حملات السلب والنهب (مصادر القرآن ص ٢٧٦).

<<  <   >  >>