للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتترك إخواننا وشأنهم؟ قد يكون من الأفضل اعتراض طريق العير وعدم الاصطدام بجيش قريش (١) ولكن فريضة التضحية العظمى كان قد حان وقتها، وأراد الله أن يفصل في الصراع القائم بين الحق والباطل (٢). فليس على الإنسان إلا أن يضطلع بواجبه ويصمد ليعرف كل لماذا يموت ولماذا يعيش (٣): هؤلاء من أجل مثلهم الأعلى، وأولئك من أجل أوثانهم ومعبوداتهم (٤).

تلك هذه الظروف التي انطلقت فيها شرارة الحرب المسلحة الأولى. فبقدر ما ظلت الإضطهادات ذات طابع فردي وخاص، إلتزم المسلمون مدة إقامتهم بمكة، بالامتناع عن أي رد فعل عنيف، وتحملوا جراحهم ببسالة (٥). أما الآن وقد اصطبغت كراهية المشركين بصبغة العمومية. وتحولت إلى حرب ضارية (٦). فقد أذن للمؤمنين بعد أكثر من عشر سنوات من الصبر الجميل (٧)، بأن يجندوا أنفسهم (٨) (،٩) للدفاع الجماعي عن كيانهم، وللذود عن إخوانهم الذين لا سند


(١) وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال - ٧].
(٢) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال - ٨].
(٣) وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال ٤٢].
(٤) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ [النساء ٧٦].
(٥) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ... [النساء - ٧٧].
(٦) وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ..... [البقرة - ٢١٧].
(٧) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج - ٣٩].
(٨) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [البقرة - ٢١٦].
(٩) لقد كان تحول هذا الإذن بالقتال إلى أمر عام في ظروف غير مواتية على الإطلاق، بحيث لا يمكننا أن نوافق «الدكتور سنكلير» بأن القانون القرآني كان يتعدل تدريجيا حسب انتصارات محمد (ص ٢٧٩).
ولقد وقع هذا الكاتب أيضا في أخطاء أخرى في نفس الموضوع - أولا - عندما قلب معنى الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ [البقرة - ٢١٧] التي تدين أعمال العدوان في الأشهر الحرم (ص ٢٧٦) ثانيا - عندما اعتبر وسائل قمع الارهابيين إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة - ٣٣] صورة جديدة للحرب تعد مرحلة ثالثة في هذا التطور (ص ٢٧٧).

<<  <   >  >>