وفي الحقيقة، كان الغرض الأساسي من هذه الدراسة استخلاص قانون الأخلاق القرآني بغض النظر عن كل ما يربط هذا القانون بباقي «الكتاب الرباني». ولكن قبل أن نستخلص هذه الخلية الحية من نظرية القرآن ونتناولها بالبحث كوحدة مستقلة (وهو العمل الذي خصصنا له مجلدا آخر) رأينا أنه من المفيد عرض الخطوط الرئيسية لهذا البناء الفكري في وحدتها التي لا تتجزأ وأن نوضح المكان الذي يحتله العنصر الأخلاقي من الإطار الكلي.
ولهذا سوف نلقي نظرة سريعة ولكنها عميقة على البناء القرآني لنستخرج الأفكار الرئيسية الموجودة في كل جزء من أجزائه، كما أن هذه النظرة ستكون شاملة بحيث تتضمن المظهر العام للمناهج المتبعة والأهداف المنشودة.
وبعد عرض نقاط تاريخية لا غنى عنها - أضفناها بناءا على اقتراح وجيه من المسيو موريس باترونييه دي جانديّاك الأستاذ بالسوربون - فإن الموضوع الجوهري لبحثنا هو عرض رسالة القرآن في جملتها كما يعرضها القرآن نفسه لا كما وردت خلال الأحكام أو التفسيرات أو التطبيقات التي اختلفت نسبة إخلاصها عبر التاريخ، وسوف نقابل في طريقنا بشأن هذا الكتاب المقدس إما بعض الأحكام القاسية فنصححها أو بعض الاستنتاجات العاجلة فنقّومها، وفي كل هذا سنترك النص القرآني ليتولى الدفاع بنفسه عن نفسه ويقدم الحجة تلو الحجة، وتكاد وساطتنا تنحصر في الربط والتنسيق بطريقة منطقية بين أجزاء هذا الدفاع، تاركين للقارئ الفرصة ليقدر بنفسه قيمة هذه الحجج تاريخيا وفلسفيا.
فالدراسة إذن دراسة موضوعية للقرآن بقدر ما يستطيع أي مفكر أن يتجرد من ظروفه الذاتية الخاصة. على أن ذلك قد لا يمنع أن ينعكس دور الدفاع الذي نقوم به على بعض عباراتنا فيصبغها بصبغة الحماس أو بلهجة الإقناع. ولكن ذلك لا يعدو أن يكون إنعكاس الأصل في المرآه وليس شيئا جديدا نابعا من طريقتنا في التفكير.
وجدير بالملاحظة أن استخلاص فكرة القرآن من غلافها وإخراجها على هذا