وتشكلهم وما أبيح لهم من طعام وشراب، وتناكحهم وتناسلهم وتكليفهم، وحياتهم وموتهم وحشرهم ونشرهم، وإثابتهم وعقوبتهم، وعلاقتهم بالبشر، الجائز منها والممنوع، والممكن منها والمحال. ونصوص الوحيين ولاسيما السنة فيها تفصل لكثير من الحقائق والأخبار والقصص والوقائع والأحكام المتعلقة بالجن، فلعل الله أن يقيض لها باحثًا لبيبًا يتتبع نصوص الوحيين فيخرج منها ما ذكرنا آنفًا من كل ما يتعلق بالجن فيخرج لنا تعريفًا اصطلاحيًا جامعًا مانعًا شاملًا لكل وصف لهم.
ولقد دلت نصوص الوحيين على وجودهم حقيقة، وأنهم خُلِقوا لعبادة الله وحده لا شريك له كالإنس تمامًا، وعلى أنهم مكلفون بالإيمان بالله تعالى وبشرائعه، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات].
وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ إليهم كما بُعِثَ إلى الإنس، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا … رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ … (١٠٧)} [الأنبياء].
«{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} أي: في الدنيا، {رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} أي: بالأمر والنهي {وَيُنْذِرُونَكُمْ} يخوفونكم: {لِقَاءَ … يَوْمِكُمْ هَذَا} وهو يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه أفانين الأهوال {قَالُوا}: يعني الجن والإنس: {شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} أي: أقررنا بإتيان الرسل وإنذارهم، وبتكذيب دعوتهم»(١) ولا شك أن إقرار المؤمنين منهم هو عين العبودية.
لأنه إقرار بأن رسل الله قد أبلغت رسالات ربها وأوضحت السبيل وأنذرت، وأما إقرار الكفار-فهو إقرار اعتراف بعد إقامة الحجة عليهم، فهو إقرار عبودية قهر وغلبة-، لا إقرار عبودية انقياد وخضوع وذل وإذعان.