للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ: إنَّهُ تَصَرُّفٌ حَصَلَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ مُفِيدًا فِي نَفْسِهِ فَيَصِحُّ كَتَعْيِينِ السِّلَعِ

ــ

[كشف الأسرار]

قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَالتَّعْلِيلُ بِالطُّعْمِ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَالتَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَنَحْنُ وَإِنْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ فَاسِدَةٌ لَكِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فَسَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ بِاعْتِبَارِ الْقَصْرِ لَا بِاعْتِبَارِ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْفَصْلِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ التَّعْلِيلِ الْمُغَيِّرِ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ قَوْلُ مُخَالِفِنَا فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ إلَى آخِرِهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ تَتَعَيَّنُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُعَيَّنَةُ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ يَنْفَسِخُ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهَا أَوْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ مِثْلَهَا قَدْرًا وَصِفَةً لَهُ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا كَانَ الْبَائِعُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ فِيهَا وَعِنْدَهُمْ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَّلُوا فِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ تَصَرُّفٌ حَصَلَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ مُفِيدًا فِي نَفْسِهِ فَيَصِحُّ كَتَعْيِينِ السِّلَعِ أَمَّا الْأَهْلِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْمِلْكِ، وَالْجَمِيعُ حَاصِلٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ تَعْيِينُ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَلِأَنَّ مَحَلَّ التَّعْيِينِ حَقِيقَةً يَشْغَلُ حَيِّزًا مِنْ الْمَكَانِ لِتَمَكُّنِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَالنَّقْدِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّعْيِينِ؛ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُودِعُ أَوْ الْغَاصِبُ أَنْ يَحْبِسَ الدَّرَاهِمَ الْمُودَعَةَ أَوْ الْمَغْصُوبَةَ وَيَرُدَّ مِثْلَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِهَا لَا فِي مِثْلِهَا.

وَيَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا حَتَّى إنَّ الْغَاصِبَ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ بِعَيْنِهَا طَعَامًا وَنَقَدَهَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ فَثَبَتَ أَنَّهَا مَحَلٌّ لِلتَّعَيُّنِ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُفِيدًا فَفِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا أَمَّا فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَالْمِلْكُ فِي الْعَيْنِ أَكْمَلُ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى زَكَاةَ الْعَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ حَقِّهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ فَيُرْغَبُ فِيهِ مَا لَا يُرْغَبُ فِي غَيْرِهِ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَصِيرُ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ، وَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ إذَا هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ فِي الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَتَعْيِينِ السِّلَعِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا فِي نَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ تَعْيِينِ صَنَجَاتِ الْمِيزَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ مَا عَيَّنَ مِنْ الصَّنَجَاتِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْوَزْنِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَمْتَنِعُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ صَحَّ، وَدَخَلَ عَبْدُهُ فِي الْبَيْعِ لِظُهُورِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ انْقِسَامُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا فِي الْعَقْدِ وَلَمْ يَدْخُلْ كَانَ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً.

قَالُوا: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ: إنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ فِي جَانِبِ الثَّمَنِ إيجَادُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَا شُرِعَ لِإِيجَادِ الْأَمْوَالِ بَلْ شُرِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ إلَى الْغَيْرِ وَلِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>