وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْغُسْلَ، وَهُوَ أَعْظَمُ الطُّهْرَيْنِ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَقَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ بِحَالِهِ لَا بِسَبَبِهِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] أَيْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ ٤
ــ
[كشف الأسرار]
نَادِرًا.
وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ أَيْضًا لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصْلًا أَيْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا لِأَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرَطَ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ أَيْ يَبْقَى الْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ بَعْدَ التَّعْلِيلِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِذَا عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لِلنَّصِّ حُكْمٌ بَعْدَهُ يَكُونُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسَادُ الْقِيَاسِ لَا دَلِيلَ صِحَّتِهِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى لِلنَّصِّ حُكْمٌ بَعْدَ التَّعْلِيلِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْلِيلِ إلَّا تَعْدِيَةَ حُكْمِ النَّصِّ إلَى مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ فَأَيُّ شَيْءٍ يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْ قِيَامُ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ بِنَاءً عَلَى دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ النَّصَّيْنِ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَعَ نُدْرَتِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نُسْخَةِ أُخْرَى الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ سَبَبٌ فَنَقُولُ: ذَلِكَ حَدَثٌ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنَّصِّ بِمَا ذُكِرَ وَكَذَلِكَ ذُكِرَ الْغُسْلُ أَيْ وَكَمَا ذُكِرَ التَّيَمُّمُ مُعَلَّقًا بِالْحَدَثِ ذُكِرَ الْغُسْلُ مُعَلَّقًا بِهِ أَيْضًا وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ النَّصُّ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْبَدَلَ يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِحَالِهِ لَا بِسَبَبِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ فِي حَالٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَصْلُ فَكَانَ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي الْبَدَلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] بَيَانًا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْغُسْلَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُغْسَلُ بِهِ وَذَكَرَ الْمَاءَ فِي الْبَدَلِ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ بِالْمَاءِ فَكَذَا هَذَا.
فَإِنْ قِيلَ هَذَا إثْبَاتٌ لِلْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالصِّيغَةِ فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِذِكْرِهِ فِي الْبَدَلِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْمُبَدَّلِ، وَهُوَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِهِ بِالصِّيغَةِ.
قُلْنَا أَرَادَ بِالثُّبُوتِ بِالصِّيغَةِ هَاهُنَا أَنَّ لَفْظًا مِنْ أَلْفَاظِ النَّصِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَحْدَاثَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَمَ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: ٤٣] ثُمَّ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، عُرِفَ بِصِيغَةِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّوَضُّؤِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَدَثِ وَأَرَادَ بِثُبُوتِهِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ بِمُضْمَرٍ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] لَمَّا دَلَّ عَلَى إضْمَارٍ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ قِيَامٍ بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَضْمَرَ فِيهِ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ أَيْ إذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقْرَأُ هَكَذَا وَالْقِيَامُ مِنْ الْمَضَاجِعِ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ أَيْ عَنْ التَّنَبُّهِ عَنْ النَّوْمِ وَالنَّوْمُ دَلِيلُ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ بِوَاسِطَةِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَدَثِ لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ لَا يَكُونُ النَّصُّ سَاقِطًا بَلْ هُوَ قَائِمٌ مَعَ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدَثُ شَرْطٌ زِيدَ فِي الْآيَةِ لَا بِالرَّأْيِ وَلَكِنْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ قَالَ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] وَقَالَ فِي الِاغْتِسَالِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَقَالَ فِي بَدَلِ الْوُضُوءِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣] وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَدْرِ الْآيَةِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَلَكِنْ سَقَطَ ذِكْرُ الْحَدَثِ اخْتِصَارًا لِمَا فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَمْ نُنْكِرْ الِاخْتِصَارَ وَالزِّيَادَةَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا الزِّيَادَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute