للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الْمُفَارَقَةِ فَاذْكُرْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الرَّاهِنِ يُلَاقِي حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِبْطَالِ، وَكَانَ مَرْدُودًا كَالْبَيْعِ فَقَالُوا لَيْسَ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْقِيَاسَ لِتَعَدِّيَةِ حُكْمِ النَّصِّ دُونَ تَغْيِيرِهِ، وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا، وَبَيَانُهُ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَقْفُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ وَأَنْتَ فِي الْفَرْعِ تُبْطِلُ أَصْلًا مَا لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالْفَسْخُ كَذَلِكَ إنْ اعْتَبَرَهُ بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ ثَمَّةَ تَوَقُّفُ الْعِتْقِ وَلُزُومُ الْإِعْتَاقِ وَأَنْتَ قَدْ عَدَّيْت الْبُطْلَانَ أَصْلًا فَإِنْ ادَّعَى فِي الْأَصْلِ حُكْمًا غَيْرَ مَا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ

ــ

[كشف الأسرار]

فَقَالَ: وَكُلُّ كَلَامٍ صَحِيحٍ فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي نَفْسِهِ يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الْمُفَارَقَةِ أَيْ يَذْكُرُهُ أَهْلُ الطَّرْدِ عَلَى وَجْهِ الْفَرْقِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ فَاذْكُرْهُ أَنْتَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُفَاقَهَةً صَحِيحَةً عَلَى حَدِّ الْإِنْكَارِ فَيُقْبَلُ مِنْك لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ.

إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ بِالسِّعَايَةِ فِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْيَسَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَهُ قَوْلَانِ فِي الْمُوسِرِ فَعَلَّلَ أَصْحَابُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ مِنْ الرَّاهِنِ إلَّا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِبْطَالِ أَيْ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّهْنِ بِدُونِ رِضَاءٍ بِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُ، فَكَانَ مَرْدُودًا كَالْبَيْعِ أَيْ كَمَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالُوا أَيْ فَرَّقَ أَهْلُ الطَّرْدِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْبَيْعِ هُوَ الْأَصْلُ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ فَقَالُوا لَيْسَ الْإِعْتَاقُ مِثْلَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَيَظْهَرُ أَثَرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ فَسْخِهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَمَا صَدَرَ مِنْ الْأَصْلِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ فَيَنْعَقِدُ لَازِمًا، وَهَذَا فَرْقٌ فِقْهِيٌّ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ فَسَدَ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْفَرْقِ وَهُوَ السَّائِلُ فَلَمْ يُقْبَلْ.

وَالْوَجْهُ فِي إيرَادِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُمَانَعَةِ لِيَقْبَلَ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ إنَّ الْقِيَاسَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ أَيْ الْأَصْلِ دُونَ تَغْيِيرِهِ، وَأَنَا لَا أُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ التَّعْدِيَةُ بِدُونِ التَّغْيِيرِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَبَيَانُهُ أَيْ بَيَانُ فَوَاتِ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَقَفَ أَيْ تَوَقَّفَ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ فِي ابْتِدَائِهِ وَالْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ عَلَيْهِ مِنْ الرَّاهِنِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ تَرَبَّصَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ تَمَّ الْبَيْعُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَأَنْتَ فِي الْفَرْعِ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تُبْطِلُ أَصْلًا مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالرَّدَّ أَيْ تُلْغِي مِنْ الْأَصْلِ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالرَّدَّ فِي ابْتِدَائِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَوْ رَدَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَرْتَدُّ، وَلَوْ أَرَادَ هُوَ وَالْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَاهُ لَا يَنْفَسِخُ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مِنْ الْأَصْلِ غَيْرُ الِانْعِقَادِ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ وَأَصْلًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ وَمَا مَفْعُولٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اعْتَبَرَهُ بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ أَيْ، وَمِثْلُ اعْتِبَارِ الْخَصْمِ الْإِعْتَاقَ بِالْبَيْعِ اعْتِبَارُهُ إيَّاهُ بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ فِي لُزُومِ تَغْيِيرِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَسَادِ فِي اعْتِبَارِهِ الْإِعْتَاقَ بِالْبَيْعِ أَلْحَقَهُ بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ.

وَقَالَ: إنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ الْمُتَعَلِّقَ بِالْعَبْدِ فَلَا يَصِحُّ كَإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ عَبْدَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي عَبْدِ الْمَرِيضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَرِيضِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ ثُمَّ إنَّ حَقَّهُمْ يَمْنَعُ نُفُوذَ إعْتَاقِ الْمَرِيضِ إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ فَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى فَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ ثَمَّةَ فِي إعْتَاقِ الْمَرِيضِ تَوَقَّفَ الْعِتْقُ إلَى أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ مَا دَامَ يَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ وَلُزُومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>