للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَرَجٌ وَلَيْسَ فِي الْقَلِيلِ حَرَجٌ مِثْلُهُ وَلَا كَلَامَ فِي الْحُدُودِ الْفَاصِلَةِ وَلَا حَرَجَ فِي اسْتِغْرَاقِ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَمْتَدُّ شَهْرًا وَفِي الصَّلَوَاتِ اسْتَوَى الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَصْلِ فَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْإِغْمَاءِ أَنْ لَا يَسْقُطَ وَاسْتَحْسَنَّا فِي الْكَثِيرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَسْقُطَ وَاسْتَحْسَنَّا فِي الْقَلِيلِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِأَنَّ مَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ إذَا اسْتَغْرَقَ شَهْرَ رَمَضَانَ مَنَعَهُ بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ كَمَا فِي الصِّبَاءِ وَالْكُفْرِ لِشُمُولِ الْعِلَّةِ وَهِيَ عَدَمُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ كَانَ فَاسِدًا فِي الْوَضْعِ أَيْضًا مِثْلُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْحَرَجِ أَيْ بَيْنَ مَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ مِنْ حُقُوقِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَبَيْنَ مَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ أَيْ جَارٍ مُطَّرِدٌ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ حَتَّى سَقَطَ مَا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَلَمْ يَسْقُطْ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ كَالْحَيْضِ أَسْقَطَ الصَّلَاةَ دُونَ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَلَى بِالْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي الْغَالِبِ وَالصَّلَاةُ تَلْزَمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسُ مَرَّاتٍ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ بِتَضَاعُفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا فِي زَمَانِ الطُّهْرِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْحَيْضِ قَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ الصَّوْمِ فِي السَّنَةِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَإِيجَابُ قَضَاءِ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا لَا يَكُونُ فِيهِ كَثِيرُ حَرَجٍ وَلَا يُؤَدِّي إلَى تَضَاعُفِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ وَالسَّفَرُ أَثَرٌ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ فِي أَدَاءِ الْأَرْبَعِ حَالَةَ السَّيْرِ مِنْ حَرَجِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ مَا لَيْسَ فِي أَدَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ.

وَكَالْحَيْضِ أَدَاءٌ يَمْلِكُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْوَاجِبِ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ لَمْ يُوجِبْ الِاسْتِقْبَالَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ الْحَيْضِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا الِاسْتِقْبَالَ رِعَايَةً لِلتَّتَابُعِ لَوَقَعَتْ فِي الْحَرَجِ بِخِلَافِ كَفَّارَاتِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَنْذَرَتْ أَنْ تَصُومَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ خَالِيَةً عَنْ الْحَيْضِ فَلَا تَخْرُجُ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا ضُمَّ إلَيْهَا مَسْأَلَةُ الْبَذْرِ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) دَلِيلُ الْمَجْمُوعِ أَيْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ثَابِتَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْحَرَجِ ثَابِتٌ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَرَجٌ أَيْ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا اسْتَغْرَقَ الْجُنُونُ الشَّهْرَ حَرَجٌ بِتَضَاعُفِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي وَقْتِهَا فَإِنَّ وَظِيفَةَ السَّنَةِ صَوْمُ شَهْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ صَارَ فَرْضُ السَّنَةِ شَهْرَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّضَاعُفِ حَرَجًا فَيَسْقُطُ بِعُذْرِ الْحَرَجِ وَلَيْسَ فِي الْقَضَاءِ أَيْ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فِي الْجُنُونِ الْقَلِيلِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْعِبًا حَرَجٌ مِثْلُ الْحَرَجِ الثَّابِتِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ فَلَمْ يَسْقُطْ فَثَبَتَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي الْكَثِيرِ لِلْحَرَجِ لَا لِلْجُنُونِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ حَرَجٌ.

وَلَا كَلَامَ فِي الْحُدُودِ الْفَاصِلَةِ يَعْنِي لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْحَرَجِ ثَابِتٌ عَلَى حُدُودٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْجُنُونِ لَيْسَ مِثْلَ الْكَثِيرِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ دُونَ الْقَلِيلِ فَكَانَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فَاسِدًا فِي الْوَضْعِ.

وَقَوْلُهُ وَلَا حَرَجَ فِي اسْتِغْرَاقِ الْإِغْمَاءِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ سُقُوطُ الْقَضَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلْحَرَجِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إذْ لَوْ كَانَ لِلْحَرَجِ لَسَقَطَ فِي اسْتِغْرَاقِ الْإِغْمَاءِ أَيْضًا لِاسْتِلْزَامِهِ تَضَاعُفَ الْوَاجِبِ كَالْجُنُونِ وَحَيْثُ لَمْ يَسْقُطْ فِيهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ السُّقُوطَ لِلْجُنُونِ لَا لِلْحَرَجِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ السُّقُوطُ فِي الْقَلِيلِ أَيْضًا فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْإِغْمَاءِ لِلشَّهْرِ مُوجِبٌ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا هُوَ غَالِبُ الْوُجُودِ وَامْتِدَادُ الْإِغْمَاءِ شَهْرًا قَلَّمَا يَقَعُ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَعِيشُ فِي الْغَالِبِ شَهْرًا مُغْمَى عَلَيْهِ بِدُونِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَوْ وَقَعَ كَانَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَسِنِينَ وَإِلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَيَصْلُحُ عُذْرًا مُسْقِطًا وَفِي الصَّلَوَاتِ اسْتَوَى الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فِي الْفَتْوَى أَيْ فِي الْحُكْمِ حَتَّى كَانَ الْإِغْمَاءُ الزَّائِدُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُسْقِطًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>