للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الطُّولِ وَالِامْتِدَادِ الدَّاعِي إلَى الْحَرَجِ وَالصِّبَا مُمْتَدٌّ أَيْضًا وَبِخِلَافِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَيُنَافِي اسْتِحْقَاقَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَكَذَلِكَ التَّعْلِيلُ لِتَعْيِينِ النُّقُودِ اعْتِبَارًا بِالسِّلَعِ وَلِفَسْخِ الْبَيْعِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا بِالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا فِي الْوَضْعِ.

ــ

[كشف الأسرار]

لِقَضَائِهَا كَالْجُنُونِ الزَّائِدِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ يُوجَدُ غَالِبًا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الزَّمَانِ كَالْجُنُونِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ الْجُنُونَ مِمَّا يَمْتَدُّ غَالِبًا كَالصَّبِيِّ وَالْإِغْمَاءُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَكِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فِي غَلَبَةِ الْوُجُودِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَاتَيْهِمَا فَإِنَّ بِالْجُنُونِ يَزُولُ الْعَقْلُ وَبِالْإِغْمَاءِ لَا يَزُولُ بَلْ هُوَ فَتْرَةٌ وَمَرَضٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ وَيَمْنَعُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ وَلِهَذَا اُبْتُلِيَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بِالْإِغْمَاءِ دُونَ الْجُنُونِ.

فَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يُسْقِطَ وَإِنْ كَثُرَ لِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ فِيهِ كَمَا فِي النَّوْمِ وَاسْتَحْسَنَّا فِي الْكَثِيرِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَجَعَلْنَاهُ مُسْقِطًا لِلْحَرَجِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ أَنْ يُسْقِطَ الْوَاجِبَ قَلَّ الْجُنُونُ أَوْ كَثُرَ لِزَوَالِ الْعَقْلِ فِيهِ وَاسْتَحْسَنَّا فِي الْقَلِيلِ فَلَمْ نَجْعَلْهُ مُسْقِطًا لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَأَلْحَقْنَاهُ بِالْعَدَمِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا اسْتِوَاءُ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ قَلِيلُ الْجُنُونِ فِيهَا كَقَلِيلِ الْإِغْمَاءِ وَكَثِيرُ الْإِغْمَاءِ فِيهَا كَكَثِيرِ الْجُنُونِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اسْتَوَى الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فِي الْفَتْوَى أَيْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الِامْتِدَادِ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ فِيهِ مُمْتَدٌّ دُونَ الْإِغْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَالصِّبَا مُمْتَدٌّ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِمْ الْجُنُونَ بِالصِّبَا وَالْكُفْرِ حَيْثُ قَالُوا: الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يَلْزَمْهُمَا قَضَاءُ مَا مَضَى فَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ فَقَالَ الصَّبِيُّ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ إلَى مُمْتَدٍّ وَغَيْرِ مُمْتَدٍّ بَلْ هُوَ مُمْتَدٌّ فِي نَفْسِهِ كَالْجُنُونِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْإِغْمَاءُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْعَدَمِ بِوَجْهٍ وَيَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَكَانَ اسْتِغْرَاقُهُ لِلشَّهْرِ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ بِمَنْزِلَةٍ وَبِخِلَافِ الْكُفْرِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَالصِّبَا مُمْتَدٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذْ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مُمْتَدٌّ لَيْسَ إلَّا وَبِخِلَافِ الْكُفْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْعِبَادَةِ بِأَهْلِيَّةِ ثَوَابِهَا وَالْكُفْرُ يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَيَنْتَفِي عَنْهُ أَصْلُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْعِبَادَةِ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ اسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ وَلِهَذَا بَقِيَتْ عِبَادَاتُهُ الَّتِي أَدَّاهَا فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالتَّعْلِيلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ التَّعْلِيلُ لِكَذَا وَلِكَذَا.

جَمَعَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَةٍ.

أَمَّا بَيَانُ الْأُولَى فَهُوَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ مُقَيَّدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَسَائِرِ السِّلَعِ وَكَمَا فِي عَقْدِ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَمَّا الْأَهْلِيَّةُ فَظَاهِرَةٌ وَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَ عَرَضًا يَتَعَيَّنُ.

وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مَوْجُودَةٌ بِذَوَاتِهَا قَابِلَةٌ لِلتَّعْيِينِ حَتَّى تَعَيَّنَتْ فِي الْعُقُودِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ فِي الْعَيْنِ وَمِلْكُ الْعَيْنِ أَكْمَلُ مِنْ مِلْكِ الدَّيْنِ وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ فِي الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِبَارُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ وَتَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَالشَّرْعُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ وَاسْتِحْقَاقَ الْيَدِ لَا غَيْرُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ فَكَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ سَقَطَ ضَرُورَةً وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بِحُكْمِ النَّصِّ وَجُعِلَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي جَانِبِ الثَّمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>