وَلَوْ بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَوْ عَقَلَتْ وَهِيَ مُرَاهِقَةٌ فَوَصَفَتْ الْكُفْرَ كَانَتْ مُرْتَدَّةً وَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَعُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِفْ إيمَانًا وَكُفْرًا وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ مَعْذُورًا وَإِذَا وَصَفَ الْكُفْرَ وَعَقَدَهُ أَوْ عَقَدَ وَلَمْ يَصِفْهُ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مُخَلَّدًا عَلَى نَحْوِ مَا وَصَفْنَا فِي الصَّبِيِّ
ــ
[كشف الأسرار]
آلَةٌ لِمَعْرِفَةِ الْمَسْمُوعَاتِ وَبِهِ يُعْرَفُ حُسْنُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَقُبْحُ بَعْضِهَا وَوُجُوبُ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَحُرْمَةُ بَعْضِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا وَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ كَمَا يَقُولُونَ إنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ وَعِنْدَنَا الْعَقْلُ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ فَكَذَا الْهَادِي وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ وَمَا بِالْعَقْلِ كِفَايَةٌ بِحَالٍ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ كَانَ آلَةً لِمَعْرِفَةٍ لَا يَقَعُ الْكِفَايَةُ بِهِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِدْلَالِ وَحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهِ دَلِيلُ السَّمْعِ أَمْ لَا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْضَمَّ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ آلَةٌ فَلَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ شَيْءٍ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ دَلِيلُ السَّمْعِ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ حِينَئِذٍ يُضَافُ إلَى دَلِيلِ السَّمْعِ لَا إلَى الْعَقْلِ وَإِذَا وُجِدَ الْعَقْلُ لَا يَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ قَبْلَ انْضِمَامِ دَلِيلِ السَّمْعِ إلَيْهِ وَبَعْدَهُ إلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَكَمْ مِنْ عَاقِلٍ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَبَعْدَهُ مُتَغَلْغِلٌ بِعَقْلِهِ فِي مَضَايِقِ الْحَقَائِقِ مُسْتَخْرِجٌ بِفِكْرِهِ وَقَرِيحَتِهِ لِخَفِيَّاتِ الدَّقَائِقِ لَمَّا حُرِمَ الْعِنَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ لَمْ يَهْتَدِ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْرِفْ سَبِيلَ الرُّشْدِ بِعَقْلِهِ فَهَلَكَ فِي غَبَاوَتِهِ وَجَهْلِهِ وَبَعْدَمَا حَصَلَتْ الْمَعْرِفَةُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَإِكْرَامِهِ وَلَا تَبْقَى إلَّا بِفَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ وَتَقْرِيرِهِ لَهُ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ وَتَثْبِيتِهِ إيَّاهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
فَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ عَرَفَ سَبِيلَ الرَّشَادِ وَسَلَكَ طَرِيقَ السَّدَادِ ثُمَّ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْخِذْلَانُ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ بِالِارْتِدَادِ وَرَدِّ أَمْرِهِ مِنْ الصَّلَاحِ إلَى الْفَسَادِ وَقَابَلَ الْحَقَّ بِالْعِنَادِ بَعْدَ الِانْقِيَادِ فَصَارَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ بَعْدَمَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدِّينِ وَأَهْلِ الصِّدْقِ وَالْيَقِينِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالطُّغْيَانِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَالْخِذْلَانِ بَعْدَ نَيْلِ سَعَادَةِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا كِفَايَةَ بِالْعَقْلِ بِحَالٍ وَلَا مَعُونَةَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَالِ.
قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا كِفَايَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ لِوُجُوبِ الِاسْتِدْلَالِ قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْإِيمَانَ وَإِنْ صَحَّ مِنْهُ الْأَدَاءُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْخِطَابِ وَالْخِطَابُ سَاقِطٌ عَنْ الصَّبِيِّ بِالنَّصِّ حَتَّى إذَا عَقَلَتْ الْمُرَاهِقَةُ وَهِيَ الَّتِي قَرُبَتْ إلَى الْبُلُوغِ وَلَمْ تَصِفْ أَيْ لَمْ تَصِفْ الْإِيمَانَ بَعْدَ مَا اُسْتُوْصِفَتْ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْوَصْفِ وَلَوْ بَلَغَتْ كَذَلِكَ أَيْ غَيْرَ وَاصِفَةٍ وَلَا قَادِرَةٍ عَلَيْهِ وَلَوْ عَقَلَتْ وَهِيَ مُرَاهِقَةٌ أَيْ صَبِيَّةٌ غَيْرُ بَالِغَةٍ فَوَصَفَتْ الْكُفْرَ كَانَتْ مُرْتَدَّةً وَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّ رِدَّةَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْتِحْسَانًا فَتَبِينُ وَيَبْطُلُ مَهْرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا تَبِينُ فَعُلِمَ بِهِ أَيْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ أَيْ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْإِيمَانِ إذْ لَوْ كَانَ مُكَلَّفًا بِهِ لَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِعَدَمِ الْوَصْفِ كَمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ مَا قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ قُلْنَا فِي الْبَالِغِ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْإِيمَانِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يَصِفْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا وَلَمْ يَعْتَقِدْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ مَعْذُورًا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَصَفَ الْكُفْرَ وَاعْتَقَدَهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ وَلَمْ يَصِفْهُ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ الْفَرِيقُ الثَّانِي فَكَانَ هَذَا قَوْلًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute