للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّفِيهِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مُدَّةَ التَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَزْدَادَ بِهِ رُشْدًا وَلَيْسَ عَلَى الْحَدِّ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَمَنْ جَعَلَ الْعَقْلَ حُجَّةً مُوجِبَةً يَمْتَنِعُ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ فَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ سِوَى أُمُورٍ ظَاهِرَةٍ فَسَلَّمَهَا لَهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْخَلْقِ أَيْ لَا عُذْرَ لَهُ بَعْدَ الْإِمْهَالِ لَا لِابْتِدَاءِ الْعَقْلِ.

وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ وَمَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ زَمَانِ التَّأَمُّلِ وَالتَّجْرِبَةِ فَإِذَا أَعَانَهُ اللَّهُ بِكَذَا إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الْبَعْضَ اخْتِصَارًا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي إقَامَةَ الْإِمْهَالِ وَإِدْرَاكَ زَمَانِ التَّأَمُّلِ مَقَامَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ هَا هُنَا عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّفِيهِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُدْفَعُ مَالُهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ مَعَ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ مُعَلَّقٌ بِإِينَاسِ الرُّشْدِ بِالنَّصِّ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَفِيدَ رُشْدًا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يُتَوَهَّمُ صَيْرُورَتُهُ جَدًّا فِيهَا إذْ الْبُلُوغُ يَتَحَقَّقُ فِي الْغُلَامِ بَعْدَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَيُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ ابْنٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ إنَّ وَلَدَهُ يَبْلُغُ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُولَدُ لَهُ ابْنٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ جَدًّا بَعْدَ تَمَامِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَمَنْ صَارَ فَرْعُهُ أَصْلًا فَقَدْ تَنَاهَى هُوَ فِي الْأَصَالَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَفِيدَ رُشْدًا بِنِسْبَةٍ حَالَةِ فَيُقَامُ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَقَامَ الرُّشْدِ وَالشَّرْطُ رُشْدٌ نَكِرَةٌ وَقَدْ وُجِدَ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِاسْتِيفَاءِ مُدَّةِ التَّجْرِبَةِ فَيَجِبُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْعَاقِلُ بَصِيرَةً وَمَعْرِفَةً بِصَانِعِهِ بِالنَّظَرِ فِي الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَانَ ذَلِكَ لِاسْتِخْفَافِ الْحُجَّةِ كَمَا يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ فَلَا يَكُونُ مَعْذُورًا.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى الْحَدِّ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ) أَيْ لَيْسَ عَلَى حَدِّ الْإِمْهَالِ وَتَقْدِيرِ زَمَانِ الِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَهُوَ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ أَنَّهُ كَذَا وَكَأَنَّهُ رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِالْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمْهَلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْعَقْلَ مُتَفَاوِتٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَرُبَّ عَاقِلٍ يَهْتَدِي فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ إلَى مَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ غَيْرُهُ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ فَيُفَوَّضُ تَقْدِيرُهُ إلَى اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ إذْ هُوَ الْعَالِمُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي حَقِّ كُلِّ شَخْصٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَعْفُو عَنْهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَيُعَاتِبُهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَدْرُ مُدَّةِ الْعُذْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَمَنْ جَعَلَ الْعَقْلَ كَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يُوقَفُ بِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ كَوْنِ الْعَقْلِ مُوجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ أَصْلًا أَوْ كَوْنِهِ حُجَّةً عِنْدَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ مِنْ نَصٍّ مُحْكَمٍ أَوْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ ضَرُورِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ.

وَقَوْلُهُ: فَمَنْ جَعَلَ الْعَقْلَ مِنْ تَتِمَّتِهِ فَمَنْ جَعَلَ الْعَقْلَ حُجَّةً مُوجِبَةً بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ الشَّرْعُ أَيْ وُرُودُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ شَرْعُ الْحُكْمِ بِخِلَافِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِهِ فَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَيْ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ مِنْ شَرْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ سِوَى أُمُورٍ ظَاهِرَةٍ نُسَلِّمُهَا لَهُ وَلَا يَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>