. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ وَلَمْ يُفِقْ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكِمَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ وَالْإِمْسَاكُ رُكْنٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَقْصُودٌ وَلَا بُدَّ فِي مِثْلِهِ مِنْ التَّحْصِيلِ بِالِاخْتِيَارِ وَمَا بِهِ مِنْ الْعُذْرِ قَدْ سَلَبَ اخْتِيَارَهُ لَكِنْ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ جُعِلَ هَذَا الْفِعْلُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ بِطَرِيقِ إلْحَاقِ الْعُذْرِ الزَّائِلِ بِالْعَدَمِ وَإِذَا كَانَ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فَفِي حَقِّ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْحَقَ الْعَارِضَ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَقْتَ تَقَرُّرِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْنُ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ أَلْحَقْنَا الْعَارِضَ بِالْعَدَمِ بَعْدَ زَوَالِهِ وَجَعَلْنَا السَّبَبَ الْمَوْجُودَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ إيجَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ فَكَانَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ عَارِضَةً زَالَتْ وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ كَوْنِهَا عَارِضَةً فِي حَقِّ التَّصَرُّفَاتِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ تَنْعَقِدُ عَلَى التَّوَقُّفِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْعَقَدَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَجُعِلَتْ كَأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَكُنْ فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَأَنْ تُلْحَقَ بِالْعَدَمِ عِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ الرِّدَّةُ عِنْدَنَا تُلْتَحَقُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ نَصًّا حَتَّى أَوْجَبَتْ إبْطَالَ مَا مَضَى مِنْ الْأَعْمَالِ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَأَلْحَقَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالَ بِالْمَوْجُودَةِ مِنْهَا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥] وَقَدْ عُرِفَ الْحُكْمُ فِي الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ قَضَاءَ مَا مَضَى نَصًّا فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ تَزُولُ بِالْكُفْرِ فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِدُونِ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الْجُنُونِ مُسْقِطًا لِلْعِبَادَاتِ فِي الْقِيَاسِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَغَيْرَ مُسْقِطٍ لَهَا فِي الِاسْتِحْسَانِ إذَا قَلَّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجُنُونَ لَمَّا كَانَ مُنَافِيًا لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ بِالْعَقْلِ فَزَوَالُهُ يَكُونُ مُنَافِيًا لَهَا كَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ مَا قُلْنَا إنَّهُ يُسْقِطُ الْعِبَادَاتِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ثُمَّ اسْتَوْضَحَ كَوْنَهُ مُنَافِيًا لِلْأَهْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - عُصِمُوا عَنْ الْجُنُونِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَهْلِيَّةِ وَالْتِحَاقَ الشَّخْصِ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلِهَذَا كَانَتْ نِسْبَتُهُمْ إلَى الْجُنُونِ كُفْرًا لَكِنَّهُ أَيْ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَمْتَدَّ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا حَرَجًا أَيْ لَمْ يَكُنْ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْعَدَمِ وَإِيجَابُ الْعِبَادَةِ مَعَهُ مُوقِعًا فِي الْحَرَجِ عَلَى مَا قُلْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ فِي بَابِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى آخِرِهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْ فِي الْجُنُونِ الَّذِي جُعِلَ عَفْوًا إذَا زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَيْ إلْحَاقُهُ بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَإِيجَابُ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِهِ قَبْلَ الِامْتِدَادِ إذَا كَانَ عَارِضًا يَعْنِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِيُلْحَقَ بِالْعَوَارِضِ أَيْ لِيُمْكِنَ إلْحَاقُهُ بِهَا وَجَعْلُهُ عَفْوًا عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِدَادِ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا كَانَ حُكْمُ هَذَا الْجُنُونِ حُكْمَ الصِّبَا فَإِذَا زَالَ هَذَا الْجُنُونُ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ صَارَ فِي مَعْنَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ أَيْ صَارَ هَذَا الْمَجْنُونُ فِي مَعْنَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَقَوْلُهُ فَإِذَا زَالَ مَعَ جَوَابِهِ جَوَابُ أَمَّا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمَا سَوَاءٌ أَيْ الْجُنُونُ الْأَصْلِيُّ وَالْعَارِضِيُّ سَوَاءٌ فِي أَنَّ غَيْرَ الْمُمْتَدِّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute