للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَدُّ الِامْتِدَادِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّاعَاتِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَبِأَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِيَصِيرَ سِتًّا فَيَدْخُلَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَأَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوَقْتَ فِيهِ مَقَامَ الصَّلَاةِ تَيْسِيرًا فَيُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بِالسَّاعَاتِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْهُمَا مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ وَقَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ بِبَيَانِ الْمُسَاوَاةِ أَيْ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَالَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَهِيَ امْتِدَادُهُ وَعَدَمُ امْتِدَادِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِيمَا يَزُولُ أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَزُولُ هَذَا الْجُنُونُ عَنْهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مِثْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيُلْحِقُ أَيْ مُحَمَّدٌ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ بِأَصْلِ الْجُنُونِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَارِضًا يَعْنِي الْأَصْلَ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَكُونَ عَارِضًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِبِلَّةِ سَلَامَتُهَا عَنْ الْآفَاتِ فَكَانَ كَوْنُ الْجُنُونِ أَصْلِيًّا أَمْرًا عَارِضًا فِيهِ فَيُلْحِقُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْعَارِضَ بِأَصْلٍ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّبَا الَّذِي أَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا الْجُنُونَ بِهِ فَقَالَ وَهُوَ أَيْ الْجُنُونُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مُتَفَاوِتٌ بَيْنَ مَدِيدٍ يُوجِبُ سُقُوطَ الْوَاجِبَاتِ وَقَصِيرٍ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهَا بِخِلَافِ الصِّبَا فَإِنَّهُ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ مُمْتَدٌّ مُسْقِطٌ لِلْعِبَادَاتِ جَمِيعًا أَوْ الضَّمِيرُ لِلْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ أَيْ الْجُنُونُ الْأَصْلِيُّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مُتَفَاوِتٌ بَيْنَ مَدِيدٍ مُوجِبٍ لِلْحَرَجِ وَبَيْنَ قَصِيرٍ لَا يُوجِبُهُ كَالْعَارِضِيِّ فَيُلْحِقُ مُحَمَّدٌ هَذَا الْأَصْلَ أَيْ كَوْنَ الْجُنُونِ أَصْلِيًّا فِي الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ هَذَا الْجُنُونُ بِالْعَارِضِ أَيْ جَعَلَ هَذَا الْوَصْفَ فِيهِ عَارِضًا فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِالصِّبَا بِوَاسِطَتِهِ وَاعْتَبَرَ أَصْلَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَارِضًا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ وَغَيْرِهِ أَوْ يُلْحِقُ هَذَا الْأَصْلَ أَيْ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَسْتَوْعِبُهُ.

وَذَلِكَ أَيْ إلْحَاقُهُ الْأَصْلَ بِالْعَارِضِ أَوْ إلْحَاقُ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي زَوَالِ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَ انْسِلَاخِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُلْحِقُهُ بِزَوَالِ الْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ قَبْلَ الِانْسِلَاخِ وَيُوجِبُ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ بِزَوَالِهِ وَلَا يُوجِبُهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ صَلَاةِ مَا مَضَى عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ كَالْعَارِضِيِّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا عِنْدَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ وَذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ هَا هُنَا فَقِيلَ وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ لَا يُفَارِقُ الْجُنُونَ الْعَارِضِيَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي طَرِيقَتِهِ مَا يُوَافِقُهُ فَقَالَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَاصَّةً

وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْجُنُونَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَصَلَ فِي وَقْتِ نُقْصَانِ الدِّمَاغِ لِآفَةٍ فِيهِ مَانِعَةٍ لَهُ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ مُبْقِيَةٍ لَهُ عَلَى مَا خُلِقَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّعْفِ الْأَصْلِيِّ فَكَانَ أَمْرًا أَصْلِيًّا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ مُقْتَصِرَةً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>