للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الصَّوْمِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّكْرَارُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَوْلٍ

ــ

[كشف الأسرار]

الْحَالِ فَأَمَّا الْحَاصِلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَقَدْ حَصَلَ بَعْدَ كَمَالِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِيفَاءِ كُلٍّ مِنْهَا الْقُوَّةَ فَكَانَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمَحَلِّ الْكَامِلِ بِلُحُوقِ آفَةٍ عَارِضَةٍ فَيُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْعَدَمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْحُقُوقِ وَوَجْهُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ أَنَّ الْجُنُونَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ قَبِيلِ الْعَارِضِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِهِ عَنْ أَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فَكَانَ مِثْلَ الْعَارِضِ بَعْدَ الْبُلُوغِ.

قَوْلُهُ (وَحَدُّ الِامْتِدَادِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّاعَاتِ) لِأَنَّ بَعْضَهَا مُؤَقَّتٌ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَبَعْضَهَا بِالشَّهْرِ وَبَعْضَهَا بِالسَّنَةِ فَأَمَّا الصَّلَاةِ فَكَذَا

اعْلَمْ أَنَّ الِامْتِدَادَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ يَحْصُلُ بِالْكَثْرَةِ الْمُوقِعَةِ فِي الْحَرَجِ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا امْتَدَّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابُ الْعِبَادَةِ مَعَهُ مُوقِعًا فِي الْحَرَجِ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ وَإِذَا زَالَ وَقَدْ وَجَبَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْجُنُونِ اجْتَمَعَتْ وَاجِبَاتٌ حَالَ الْجُنُونِ وَحَالَ الْإِفَاقَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُحْرَجُ فِي أَدَائِهَا لِكَثْرَتِهَا ثُمَّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلْكَثْرَةِ نِهَايَةٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا اعْتَبَرَ أَدْنَاهَا وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْعُذْرُ وَظِيفَةَ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّ وَقْتَ جِنْسِ الصَّلَاةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ وَقْتٌ قَصِيرٌ فِي نَفْسِهِ فَأُكِّدَتْ كَثْرَتُهَا بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّكْرَارُ فَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُخُولَ نَفْسِ الصَّلَوَاتِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِأَنْ تَصِيرَ الصَّلَوَاتُ سِتًّا لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِهِ وَأَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوَقْتَ فِيهِ أَيْ فِي دُخُولِ الصَّلَاةِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ مَقَامَ الصَّلَاةِ يَعْنِي أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا الزِّيَادَةَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ السَّاعَاتِ هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جُنَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ أَفَاقَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَصِرْ سِتًّا فَلَمْ يَدْخُلْ الْوَاجِبُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ حَقِيقَةً.

وَعِنْدَهُمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْوَاجِبُ فِيهِ وَالْوَقْتُ سَبَبٌ فَيُقَامُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ مُسَبِّبُهُ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْهُ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُكَرَّرًا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِلْمَعْنَى وَالْجُنُونُ فَوْقَ الْإِغْمَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَيُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً وَالِامْتِدَادُ فِي الصَّوْمِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْجُنُونُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْكَامِلِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ بَاقِيَ الشَّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُصَامُ فِيهِ فَكَانَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً

وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَلَوْ أَفَاقَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ الْقَضَاءَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُفْلِحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>