للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالزَّكَاةِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْحَوْلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقَامَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْثَرَ الْحَوْلِ مَقَامَ كُلِّهِ فِيمَا يَمْتَدُّ عَمَلًا بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ فَإِذَا زَالَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ وَهُوَ أَصْلِيٌّ كَانَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الذِّمَّةَ وَلَا يُنَافِي حُكْمَ الْوَاجِبِ وَهُوَ الثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ إذَا اُحْتُمِلَ الْأَدَاءُ.

أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ وَذَلِكَ وِلَايَةٌ إلَّا أَنْ يَنْعَدِمَ الْأَدَاءُ فَيَصِيرَ الْوُجُوبُ عَدَمًا بِنَاءً عَلَيْهِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِيهِ.

ثُمَّ لَمْ يُعْتَبَرْ التَّكْرَارُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّا إنَّمَا شَرَطْنَا دُخُولَ الصَّلَاةِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ تَأْكِيدًا لِوَصْفِ الْكَثْرَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْكَثْرَةِ يَحْصُلُ بِاسْتِيعَابِ الْجِنْسِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْمُؤَكِّدِ إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْمُؤَكِّدُ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ فِيهِ يَزْدَادُ عَلَى الْأَصْلِ إذْ لَا يَأْتِي وَقْتُ وَظِيفَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فَيَزْدَادُ مَا شَرَعَ تَابِعًا عَلَى مَا شُرِعَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْمَرَّتَيْنِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِتَأْكِيدِ الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهَا أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ شَرْطًا لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ بَلْ الزَّائِدُ سُنَّةٌ وَالسُّنَنُ وَالنَّوَافِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تُمَاثِلُ الْفَرْضَ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْيُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ التَّبَعِ وَالْأَصْلِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِيهِ شَرْطٌ كَالْأَصْلِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ.

وَالثَّانِي أَنَّ الصَّوْمَ وَظِيفَةُ السَّنَةِ لَا وَظِيفَةُ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ أَدَاؤُهُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَظِيفَةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَإِنْ كَانَ أَدَاؤُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلِهَذَا كَانَ رَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ مَعَ سِتٍّ مِنْ شَوَّالَ بِمَنْزِلَةِ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ ثُمَّ كَمَا مَضَى الشَّهْرُ دَخَلَ وَقْتُ وَظِيفَةٍ أُخْرَى إذْ الِاسْتِيعَابُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ فَكَانَ الْجِنْسُ كَالْمُتَكَرِّرِ بِتَكَرُّرِ وَقْتِهِ وَيَتَأَكَّدُ الْكَثْرَةُ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ تَكْرَارِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ فَكَانَ هَذَا مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الزَّكَاةِ) أَيْ الِامْتِدَادِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْجُنُونُ الْحَوْلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْهُ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ امْتِدَادَهُ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ بِأَكْثَرِ السَّنَةِ وَنِصْفَ السَّنَةِ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتِهَا الْحَوْلُ إلَّا أَنَّهُ مَدِيدٌ جِدًّا فَقُدِّرَ بِأَكْثَرِ الْحَوْلِ عَمَلًا بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ أَكْثَرِ السَّنَةِ أَيْسَرُ وَأَخَفُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ اعْتِبَارِ تَمَامِهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمِيعِ كَمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ أَيْسَرُ مِنْ اعْتِبَارِ حَقِيقَتِهَا فَإِذَا زَالَ الْجُنُونُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَهُوَ أَصْلِيٌّ كَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَبَيَانُهُ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ فِيمَا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا وَهُوَ مَالِكٌ لِنِصَابٍ فَزَالَ جُنُونُهُ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْبُلُوغِ وَهُوَ مُفِيقٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَلَا تَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ يُسْتَأْنَفُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَادَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ الْآنَ عِنْدَهُ.

وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ عَارِضِيًّا فَزَالَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَجِبُ الزَّكَاةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ زَالَ الْجُنُونُ بَعْدَ مُضِيِّ أَحَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>