للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمَجْنُونَ مُؤَاخَذٌ بِضَمَانِ الْأَفْعَالِ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِحُكْمِهِ عَلَى مَا قُلْنَا فَإِذَا ثَبَتَتْ الْأَهْلِيَّةُ كَانَ الْعَارِضُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ. وَالْحَجْرُ عَنْ الْأَقْوَالِ صَحِيحٌ فَفَسَدَتْ عِبَارَاتُهُ وَقُلْنَا لَمَّا لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالْأَدَاءُ أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

عَشَرَ شَهْرًا يَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا لِوُجُودِ الزَّوَالِ قَبْلَ الِامْتِدَادِ وَلِمُسَاوَاةِ الْأَصْلِيِّ الْعَارِضِيَّ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجِبُ بِوُجُودِ الزَّوَالِ بَعْدَ الِامْتِدَادِ قَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّا) يَعْنِي فِي آخِرِ بَابِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ وَبَابِ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالذِّمَّةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِحُكْمِ الْوُجُوبِ أَيْ فَائِدَتِهِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَبِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ، وَالْجُنُونُ لَا يُنَافِي الذِّمَّةَ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مَوْلُودٍ مِنْ الْبَشَرِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا يُنَافِي حُكْمَ الْوَاجِبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ إذْ الْمَجْنُونُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ جُنُونِهِ فَلَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَلَا يُنَافِي احْتِمَالَ الْأَدَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَرْجُوٌّ عَنْهُ بِالْإِفَاقَةِ فِي الْوَقْتِ وَخَلَفُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ مُتَوَهَّمٌ بِالْإِفَاقَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ كَافٍ لِلْوُجُوبِ كَمَا فِي الْإِغْمَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ يُبَيِّنُهُ أَنَّ الْأَدَاءَ مُتَصَوَّرٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الرُّكْنَ بَعْدَ النِّيَّةِ تَرْكُ الْمُفْطِرَاتِ وَأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ كَمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَاقِلِ وَالتَّرْكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَصْدِ وَالتَّمْيِيزِ وَإِذَا تُصُوِّرَ مِنْهُ الْأَدَاءُ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ أَلَا تَرَى مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُنَافِي الذِّمَّةَ أَيْ أَنَّ الْمَجْنُونَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ وَثُبُوتُ الْإِرْثِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَالْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ مِلْكًا تَصَرُّفًا حَتَّى إنَّ مَا يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ.

وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ وِرَاثَةُ الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ عُدِمَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ أَهْلِيَّةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يَنْعَدِمُ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ وَالْوِرَاثَةُ خِلَافَةُ الْمِلْكِ وَالْوَلِيُّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَكَذَا الْمِلْكُ وِلَايَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمَحِلِّ شَرْعًا وَالْوِلَايَةُ لَا تَثْبُتُ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنْ يَنْعَدِمَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ أَيْ إلَّا أَنْ يَنْعَدِمَ الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِأَنْ لَزِمَ مِنْهُ حَرَجٌ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْوُجُوبُ مَعْدُومًا أَيْ لَا يَثْبُتُ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْأَدَاءِ لِهَذَا أَيْ وَلِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ قُلْنَا إنَّ الْمَجْنُونَ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَفْعَالِ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِحُكْمِ وُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَدَاءُ عَلَى مَا قُلْنَا فِي بَابِ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ دُونَ الْفِعْلِ وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِأَدَاءِ النَّائِبِ فَكَانَ الْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهِ كَالصَّبِيِّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْكَمَالِ عَنْ ضَمَانِ الْأَفْعَالِ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ هَذَا الْفِعْلِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَتْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْمَجْنُونِ كَانَ هَذَا الْعَارِضُ) وَهُوَ الْجُنُونُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ يَعْنِي أَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِعَدِيمِ الْأَهْلِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ جَمِيعًا كَالْبَهَائِمِ بَلْ لَهُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْإِرْثُ وَالْمِلْكُ وَاعْتُبِرَ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْعَقْلِ وَلَكِنْ لَمَّا فَاتَ عَقْلُهُ بِعَارِضِ الْجُنُونِ كَانَ هَذَا الْعَارِضُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْعَقْلِ نَظَرًا لَهُ كَالصِّبَا وَالرِّقِّ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْمَوْلَى وَالْحَجْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>