للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَكُنْ حَجْرًا لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَجْرِ وَلَكِنْ الْإِيمَانُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى صَارَ مُؤْمِنًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَامِعِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِوَجْهٍ إلَّا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ امْرَأَةَ الْمَجْنُونِ إذَا أَسْلَمَتْ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

وَمَا كَانَ ضَرَرًا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ وَمَا كَانَ قَبِيحًا لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فَثَابِتٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَصِيرَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ.

ــ

[كشف الأسرار]

عَنْ الْأَقْوَالِ صَحِيحٌ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالشَّرْعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا لَا مَرَدَّ لَهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهَا شَرَعَا فَفَسَدَتْ عِبَارَاتُهُ حَتَّى لَمْ تَصِحَّ أَقَارِيرُهُ وَعُقُودُهُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِالْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ فَبِدُونِهِمَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَقُلْنَا لَمْ يَصِحَّ إيمَانُ الْمَجْنُونِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ فَأَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّ رُكْنَ الْإِيمَانِ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ وَالْأَدَاءُ الصَّادِرَانِ عَنْ عَقْلٍ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ حَيْثُ صَحَّ إيمَانُهُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَمْ يَكُنْ حَجْرًا أَيْ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ إيمَانِهِ حَجْرًا عَنْ الْإِيمَانِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مَا ذَكَرْتُمْ حَجْرٌ عَنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ مَعَ وُجُودِهِ حَقِيقَةً لَيْسَ إلَّا بِطَرِيقِ الْحَجْرِ وَقَدْ أَنْكَرْتُمْ الْحَجْرَ عَنْ الْإِيمَانِ فِي مَسْأَلَةِ إيمَانِ الصَّبِيِّ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَجْرِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ لَا يُعَدُّ حَجْرًا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ عِبَارَاتِهِ أَيْضًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا لِفَوَاتِ الْعَقْلِ حَتَّى لَمْ تَنْفُذْ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجْرِ فِيهَا إخْرَاجَهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَسْمِيَتُهُ مَحْجُورًا عَنْهَا تَوَسُّعٌ بِخِلَافِ الْحَجْرِ فِي أَقْوَالِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ لِأَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ عَقْلٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُعْتَبَرْ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَالصَّبِيِّ فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْحَجْرِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ.

وَلَكِنَّ الْإِيمَانَ مَشْرُوعٌ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ أَيْ لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى صَارَ مُؤْمِنًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ كَمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا بَيَّنَّا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَسَنُبَيِّنُهُ وَلَمْ يَصِحَّ التَّكْلِيفُ بِوَجْهٍ أَيْ لَمْ يَصِحَّ تَكْلِيفُ الْمَجْنُونِ بِالْإِيمَانِ بِوَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ آلَةُ الْقُدْرَةِ وَقَدْ عُدِمَ إلَّا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّ تَكْلِيفَهُ بِالْإِيمَانِ يَصِحُّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبَيَانُهُ مَجْنُونٌ نَصْرَانِيٌّ زَوَّجَهُ أَبُوهُ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْرَضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْأَبِ وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَعْقِلَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعْرَضُ عَلَى الْأَبِ

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَرْضَ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ بِإِسْلَامِهِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى حَالِ عَقْلِهِ كَمَا فِي الصَّغِيرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجُنُونَ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَالتَّأْخِيرُ إلَى حَالِ الْعَقْلِ يُعَدُّ إبْطَالًا لِحَقِّهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ فَسَادًا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ فَصَارَ التَّأْخِيرُ ضَرَرًا مَحْضًا وَفَسَادًا وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَتَعَذَّرَ الْإِمْسَاكُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ فَوَجَبَ النَّقْلُ إلَى مَا يَخْلُفُهُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَفِيهِ صِيَانَةُ الْحَقَّيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَصَارَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَبُ بَقِيَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِلَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّغِيرِ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ حَيْثُ يُؤَخَّرُ الْعَرْضُ إلَى حَالِ عَقْلِهِ لِأَنَّ لِلصِّغَرِ غَايَةً فَصَارَ انْتِظَارُ عَقْلِهِ تَأْخِيرًا جَامِعًا لِلْحَقَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ إبْطَالًا فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ إلَى الْخَلَفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْمُصَنِّفِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُعْرَضَ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>