للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الصِّغَرُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ فَمِثْلُ الْجُنُونِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَأَمَّا إذَا عَقَلَ فَقَدْ أَصَابَ ضَرَبَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ لَكِنْ الصَّبِيُّ عُذِرَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ بِعُذْرِ الصِّبَا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ فَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضِيَّةُ الْإِيمَانِ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ كَانَ فَرْضًا لَا نَفْلًا أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا آمَنَ فِي صِغَرِهِ لَزِمَهُ أَحْكَامٌ ثَبَتَتْ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَهِيَ جُعِلَتْ تَبَعًا لِلْإِيمَانِ الْفَرْضِ

ــ

[كشف الأسرار]

بَيْنَهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ سَقَطَ اعْتِبَارُهُمْ هَاهُنَا لِلتَّعَذُّرِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ حَتَّى قَالُوا الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

قَوْلُهُ (وَمَا كَانَ ضَرَرًا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ) مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنْ إلْزَامَهَا نَوْعُ ضَرَرٍ فِي حَقِّهِ وَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ وَمِثْلُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا لَمَّا سَقَطَتْ بِأَعْذَارٍ وَشُبُهَاتٍ لَأَنْ تَسْقُطَ بِعُذْرِ الْجُنُونِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ كَانَ أَوْلَى وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْهِبَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْمَضَارِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَهَا عَلَيْهِ وَلِيُّهُ كَمَا لَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَضَارِّ الْمَحْضَةِ وَمَا كَانَ قَبِيحًا لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ مِثْلُ الْكُفْرِ فَثَابِتٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى أَنَّهُ يَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الضَّارَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِرَدِّهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا فِي الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ رُكْنِهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَإِذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ وَزَالَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ لَا وَجْهَ إلَى جَعْلِهِ مُسْلِمًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِرِدَّتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَعْفُوَ رِدَّتَهُمَا وَهُوَ فَاسِدٌ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ الرِّدَّةِ فِي حَقِّهِ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الرِّدَّةُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَأَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ فَارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ.

فَإِنْ لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَثْبُتُ الرِّدَّةُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبِعَا لِلدَّارِ إذْ الْإِسْلَامُ يُسْتَفَادُ بِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بِالدَّارِ فَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ ظَهَرَ أَثَرُ دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ كَالْخُلْفِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أَدْرَكَ عَاقِلًا مُسْلِمًا وَأَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ ثُمَّ جُنَّ فَارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا لَهُمَا فِي الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ فَلَا يَصِيرُ تَبَعًا بَعْدَهُ بِحَالٍ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يَتَّبِعْ أَبَوَيْهِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ وَالْإِقْرَارُ فَلَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي اعْتَرَضَتْ فَبَقِيَ مُسْلِمًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي نِكَاحِ الْجَامِعِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الصِّغَرُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ فَمِثْلُ الْجُنُونِ) فَيَسْقُطُ عَنْ الصَّغِيرِ مَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَجْنُونِ وَلَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ وَلَا تَكْلِيفُهُ بِهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ أَيْ الصَّغِيرُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَدْلُولِ الصِّغَرِ عَدِيمُ التَّمْيِيزِ وَالْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ وَالتَّمْيِيزُ مَعْنَى يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ بِهِ تَعْرِفُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا بَقَاؤُهَا رَكَّبَهُ اللَّهُ فِي طِبَاعِهَا وَالْعَقْلُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْسَانِ بِهِ يُدْرِكُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ وَحَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَقَدْ عَدِمَ الصَّغِيرُ كِلَيْهِمَا فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ فَكَانَ مِثْلَ الْمَجْنُونِ بَلْ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَهُوَ عَدِيمُ الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا إذَا عَقَلَ أَيْ تَرَقَّى الصَّبِيُّ عَنْ أُولَى دَرَجَاتِ الصِّغَرِ إلَى أَوْسَاطِهَا وَظَهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْعَقْلِ فَقَدْ أَصَابَ ضَرْبًا أَيْ نَوْعًا مِنْ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِحَسَبِ ذَلِكَ لَكِنَّ الصِّبَا عُذْرٌ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ ضَرْبًا مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْعَقْلِ بَعْدُ لِبَقَاءِ الصِّبَا وَعَدَمِ بُلُوغِ الْعَقْلِ غَايَةَ الِاعْتِدَالِ فَسَقَطَ بِهِ أَيْ بِهَذَا الْعُذْرِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِأَعْذَارٍ وَتَحْتَمِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>