للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يُعِدْ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُجْعَلْ مُرْتَدًّا.

وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ نَفْلًا لَمَا اُجْتُزِئَ عَنْ الْفَرْضِ وَوُضِعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَإِلْزَامُ الْأَدَاءِ، وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ مَا قُلْنَا أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ الْعُهْدَةُ وَيَصِحَّ مِنْهُ وَلَهُ مَا لَا عُهْدَةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّبَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ فَجُعِلَ سَبَبًا لِلْعَفْوِ عَنْ كُلِّ عُهْدَةٍ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَلِذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِالْقَتْلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِرْمَانُهُ بِالْكُفْرِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ لِلْإِرْثِ. وَكَذَلِكَ الْكُفْرُ لِأَنَّهُ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوِلَايَةِ، وَانْعِدَامُ الْحَقِّ لِعَدَمِ سَبَبِهِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَا يُعَدُّ جَزَاءً، وَالْعُهْدَةُ نَوْعَانِ خَالِصَةٌ لَا تَلْزَمُ الصَّبِيَّ بِحَالٍ وَمَشُوبَةٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهَا عَلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ وَلَمَّا كَانَ الصِّبَا عَجْزًا صَارَ مِنْ أَسْبَابِ وِلَايَةِ النَّظَرِ وَقَطْعِ وِلَايَتِهِ عَنْ الْأَغْيَارِ.

ــ

[كشف الأسرار]

النَّسْخَ فِي أَنْفُسِهَا وَتَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ جُعْلِيَّةٍ مِثْلِ الْوَقْتِ وَالْمَالِ وَالْبَيْتِ فَيَجُوزُ أَنْ تَسْقُطَ بِهَذَا الْعُذْرِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الْأَعْذَارِ وَأَنْ لَا يَجْعَلَ تِلْكَ الْأَسْبَابَ أَسْبَابًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ مَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضِيَّةُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ دَائِمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِأَنَّهُ تَعَالَى إلَهٌ دَائِمٌ مُنَزَّهٌ عَنْ التَّغَيُّرِ وَالزَّوَالِ فَكَانَ وُجُوبُ التَّوْحِيدِ دَائِمًا بِدَوَامِ الْأُلُوهِيَّةِ لَكِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا يُعْذَرُ عَنْ الْإِجَابَةِ بِعُذْرٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ تَقْدِيرِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةُ الْفِعْلِ وَالْعَقْلِ أَوْ الْعَقْلُ كَالصَّلَاةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْوَقْتِ فَرْضًا فَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْذَرُ عَنْ الْإِجَابَةِ بِعُذْرٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ تَقْدِيرِيٍّ كَالنَّوْمِ وَفَقْدِ الطَّهَارَةِ فَإِذًا الْإِجَابَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ الطَّاقَةِ فَيُعْذَرُ بِزَوَالِ الطَّاقَةِ عَنْ الْإِجَابَةِ مَعَ بَقَاءِ وُجُوبِ التَّوْحِيدِ كَذَا قَرَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ الصَّبِيُّ كَانَ فَرْضًا لَا نَفْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا آمَنَ فِي صِغَرِهِ لَزِمَهُ أَحْكَامٌ بُنِيَتْ عَلَى صِحَّةِ الْإِيمَانِ مِنْ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ وَهِيَ أَحْكَامٌ جُعِلَتْ تَبَعًا لِلْإِيمَانِ الْفَرْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّ إيمَانَهُ فِي حَالِ الصِّبَا وَقَعَ فَرْضًا.

وَقَوْلُهُ: الْإِيمَانُ الْفَرْضُ تَأْكِيدٌ لَا أَنَّهُ بَيَانُ نَوْعِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ كَمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَمْ يُجْعَلْ مُرْتَدًّا إذَا بَلَغَ وَلَمْ يُعِدْ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ السَّابِقُ مِنْهُ نَفْلًا لَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْإِيمَانِ الْفَرْضِ لِأَنَّ النَّفَلَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْفَرْضِ لِفَوَاتِ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا لَوْ صَلَّى صَبِيٌّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ فِي آخِرِهِ لَا يَنُوبُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ وَيَنُوبُ عَنْ الْوُضُوءِ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِدُونِ نِيَّةٍ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالنَّفْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفَرْضِ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ رَأْسُ الطَّاعَاتِ وَأَصْلُ الْعِبَادَاتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ كَذَا فِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ.

قَوْلُهُ (وَوَضَعَ) أَيْ أَسْقَطَ عَنْ الصَّبِيِّ التَّكْلِيفَ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَلَا خِطَابَ فِي حَقِّهِ وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْإِيمَانِ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ فَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ وَقْتًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ فَصَدَّقَ بِقَلْبِهِ صَحَّ إيمَانُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْإِقْرَارِ وَيُرَخَّصُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ فَإِذَا سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْ الْبَالِغِ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ الصَّبِيِّ بِعُذْرِ الصِّبَا أَيْضًا كَذَا قِيلَ وَهَذَا فِي حَقِّ سُقُوطِ وُجُوبِ الْإِقْرَارِ مُسْتَقِيمٌ فَأَمَّا وُجُوبُ الِاعْتِقَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْبَالِغِ بِحَالٍ وَسِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ مَا قُلْنَا أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ الْعُهْدَةُ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ إيجَابَهُ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو عَنْ عُهْدَةٍ أَيْ تَبَعَةٍ وَهِيَ لُزُومُ عَذَابِ الْآخِرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ كَمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَضَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفَ وَإِلْزَامَ الْأَدَاءِ أَنَّ إلْزَامَ أَدَاءِ الْإِيمَانِ بِالنَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَوَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ سَاقِطٌ عَنْهُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَكَذَا إذَا وَصَفَ بِاللِّسَانِ مَرَّةً لَا يَلْزَمُهُ بَعْدُ فَيَصِحُّ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ عَنْ الصَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>