للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

قَوْلُهُ (وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ) أَيْ الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ فِي بَابِ الصِّغَرِ، وَحَاصِلُ أَحْكَامِهِ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الصَّبِيِّ الْعُهْدَةُ أَيْ يَسْقُطُ عَنْهُ عُهْدَةُ مَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَالْمُرَادُ بِالْعُهْدَةِ هَاهُنَا لُزُومُ مَا يُوجِبُ التَّبِعَةَ وَالْمُؤَاخَذَةَ وَيَصِحُّ مِنْهُ وَلَهُ أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ بِأَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ وَلِلصَّبِيِّ بِأَنْ يُبَاشِرَ غَيْرُهُ لِأَجْلِهِ مَا لَا عُهْدَةَ أَيْ لَا ضَرَرَ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَقَبُولِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِأَنَّ الصِّبَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَرْحَمَةِ طَبْعًا فَإِنَّ كُلَّ طَبْعٍ سَلِيمٍ يَمِيلُ إلَى التَّرَحُّمِ عَلَى الصِّغَارِ.

وَشَرْعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فَجُعِلَ سَبَبًا لِلْعَفْوِ عَنْ كُلِّ عُهْدَةٍ يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ أَيْ جَعَلَ الصِّبَا سَبَبًا لِإِسْقَاطِ كُلِّ تَبِعَةٍ وَضَمَانٍ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ بِوَجْهٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَعَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا حُقُوقٌ مُحْتَرَمَةٌ تَجِبُ لِمَصَالِح الْمُسْتَحِقِّ وَتَعَلُّقِ بَقَائِهِ بِهَا فَلَا يُمْنَعُ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ الصِّبَا كَمَا لَا يَمْتَنِعُ فِي حَقِّ الْبَالِغِ بِعُذْرٍ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الصِّبَا سَبَبًا لِلْعَفْوِ عَنْ كُلِّ عُهْدَةٍ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ لَا يُحْرَمُ الصَّبِيُّ الْمِيرَاثَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالْعَفْوِ وَبِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ فَيَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُوَرِّثَ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلِأَنَّ الْحِرْمَانَ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فِي فِعْلِهِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ لِعِصْمَةِ الْمَحَلِّ وَهُوَ أَهْلٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذْ الصِّبَا لَا يَنْفِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الصَّبِيِّ عَنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ حِرْمَانُهُ عَنْهُ بِالرِّقِّ وَالْكُفْرِ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ اُسْتُرِقَّ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ عَنْ قَرِيبِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ بِأَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إذْ الْوِرَاثَةُ خِلَافَةُ الْمِلْكِ وَالرِّقُّ يُنَافِي الْمِلْكَ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ الرَّقِيقِ عَنْ قَرِيبِهِ تَوْرِيثُ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ حَقِيقَةً لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِمَوْلَاهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِالْأَمْوَالِ وَالْمَالُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِرْثِ.

وَكَذَلِكَ الْكُفْرُ أَيْ وَكَالرِّقِّ الْكُفْرُ فِي أَنَّهُ يُنَافِي الْإِرْثَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَالْإِرْثُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوِلَايَةِ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إخْبَارًا عَنْ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] {يَرِثُنِي} [مريم: ٦] فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِرْثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوِلَايَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَانْعِدَامُ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِرْثُ هَاهُنَا لِعَدَمِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ كَمَا فِي الْكُفْرِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَيْ أَهْلِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا فِي الرِّقِّ لَا يُعَدُّ جَزَاءً أَيْ عُقُوبَةً فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الصِّبَا.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ لِعَدَمِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ الْعِتْقَ لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لَا يَعُدُّ ذَلِكَ عُقُوبَةً فَكَذَلِكَ هَذَا ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ هَاهُنَا إلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ سَبَبُ الْإِرْثِ وَذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ هُوَ اتِّصَالُ الشَّخْصِ بِالْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ وَلَاءٍ فَعَلَى هَذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ مِنْ شُرُوطِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْرُجُ بِكُفْرِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْ كَافِرٍ آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ بِوَجْهِ جَعْلِ الْكُفْرِ مُزِيلًا لِلسَّبَبِ وَالرِّقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>