للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْعَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَمِثْلُ الصِّبَا مَعَ الْعَقْلِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ الْعُهْدَةَ وَأَمَّا ضَمَانُ مَا يُسْتَهْلَكُ مِنْ الْمَالِ فَلَيْسَ بِعُهْدَةٍ لَكِنَّهُ شُرِعَ جَبْرًا وَكَوْنُهُ صَبِيًّا مَعْذُورًا أَوْ مَعْتُوهًا لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَيُوضَعُ الْخِطَابُ عَنْهُ كَمَا وُضِعَ عَنْ الصَّبِيِّ وَيُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجُنُونُ وَالصِّغَرُ فِي أَنَّ هَذَا الْعَارِضَ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَقِيلَ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ عُرِضَ عَلَى أَبِيهِ الْإِسْلَامُ أَوْ أُمِّهِ وَلَا يُؤَخَّرُ وَالصَّبِيُّ مَحْدُودٌ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

مُزِيلًا لِلْأَهْلِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاتِّصَالُ بِالْمَيِّتِ مَعَ الْوِلَايَةِ سَبَبًا فَبِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ يَنْتَفِي السَّبَبِيَّةُ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) فَكَذَا الْعَتَهُ آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلَامِهِ كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ كَلَامَ الْمَجَانِينِ وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ فَكَمَا أَنَّ الْجُنُونَ يُشْبِهُ أَوَّلَ أَحْوَالِ الصِّبَا فِي عَدَمِ الْعَقْلِ يُشْبِهُ الْعَتَهُ آخَرَ أَحْوَالِ الصِّبَا فِي وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ مَعَ تَمَكُّنِ خَلَلٍ فِيهِ فَكَمَا أُلْحِقَ الْجُنُونُ بِأَوَّلِ أَحْوَالِ الصِّغَرِ فِي الْأَحْكَامِ أُلْحِقَ الْعَتَهُ بِآخِرِ أَحْوَالِ الصِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا لَا يَمْنَعُهَا الصِّبَا مَعَ الْعَقْلِ فَيَصِحُّ إسْلَامُ الْمَعْتُوهِ وَتَوَكُّلُهُ بِبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ مَنْكُوحَةِ غَيْرِهِ وَعَتَاقِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَيَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ لَكِنَّهُ أَيْ الْعَتَهَ يَمْنَعُ الْعُهْدَةَ أَيْ مَا يُوجِبُ إلْزَامَ شَيْءٍ وَمَضَرَّةً كَالصِّبَا فَلَا يُطَالَبُ الْمَعْتُوهُ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ امْرَأَةَ نَفْسِهِ وَلَا إعْتَاقُهُ عَبْدَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَبِدُونِ إذْنِهِ وَلَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُهْدَةِ وَالْمَضَارِّ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْعُهْدَةَ سَاقِطَةٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لَزِمَ عَلَيْهِ وُجُوبُ ضَمَانِ مَا يَسْتَهْلِكُ الْمَعْتُوهُ وَالصَّبِيُّ مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا ضَمَانُ مَا يَسْتَهْلِكُ مِنْ الْمَالِ فَلَيْسَ بِعُهْدَةٍ أَيْ لَيْسَ مِنْ الْعُهْدَةِ الْمَنْفِيَّةِ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُمَا عُهْدَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فِي الشَّرْعِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ شَرْعًا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ الْعُهْدَةَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يُرَادُ بِهَا مَا يَلْزَمُ بِالْعُقُودِ فِي أَغْلِبْ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا وَضَمَانُ الْمُسْتَهْلَكِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَا يَكُونُ عُهْدَةً.

لَكِنَّهُ أَيْ الضَّمَانَ شُرِعَ جَبْرًا لِمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَعْصُومِ وَلِهَذَا قُدِّرَ بِالْمِثْلِ وَكَوْنُ الْمُسْتَهْلِكِ صَبِيًّا مَعْذُورًا أَوْ مَعْتُوهًا أَيْ بَالِغًا مَعْتُوهًا لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِتَعَلُّقِ بَقَائِهِ وَقِوَامِ مَصَالِحِهِ بِهِ وَبِالصِّبَا وَالْعِتَّةِ لَا يَزُولُ حَاجَتُهُ إلَيْهِ عَنْهُ فَبَقِيَ مَعْصُومًا فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ وَلَا يَمْتَنِعُ بِعُذْرِ الصِّبَا وَالْعَتَهِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا تَجِبُ بِطَرِيقِ الِابْتِلَاءِ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ الْعَقْلِ وَالْقُدْرَةِ وَبِخِلَافِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالْعُقُودِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَقَدْ خَرَجَ كَلَامُهُمَا عَنْ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ اسْتِلْزَامِهِ الْمَضَارَّ لَمْ يَجْعَلْ الْعُقُودَ أَسْبَابًا لِتِلْكَ الْحُقُوقِ فِي حَقِّهِمَا قَوْلُهُ (وَيُوضَعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَعْتُوهِ الْخِطَابُ كَمَا يُوضَعُ عَنْ الصَّبِيِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْعُقُوبَاتُ كَمَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ حُكْمَ الْعَتَهِ حُكْمُ الصِّبَا إلَّا فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّا لَمْ نُسْقِطْ بِهِ الْوُجُوبَ احْتِيَاطًا فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ الصِّبَا لِأَنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الْخِطَابِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ مُشِيرًا إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا ظَنُّوا أَنَّ الْعَتَهَ غَيْرُ مُلْحَقٍ بِالصِّبَا بَلْ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَرَضِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا بَلْ الْعَتَهُ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ جَمِيعًا إذْ الْمَعْتُوهُ لَا يَقِفُ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ كَصَبِيٍّ ظَهَرَ فِيهِ قَلِيلُ عَقْلٍ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ نُقْصَانَ الْعَقْلِ لَمَّا أَثَرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>