للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ وَالْمَعْتُوهُ الْعَاقِلُ لَا يَفْتَرِقَانِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الصَّبِيِّ كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي حَقِّهِ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي السُّقُوطِ بِأَنْ صَارَ مَجْنُونًا لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبُلُوغِ إلَّا فِي كَمَالِ الْعَقْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْكَمَالُ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآفَةِ كَانَ الْبُلُوغُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخِطَابُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَجْنُونِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الصِّبَا تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي آخِرِ أَحْوَالِ الصِّبَا تَحْقِيقًا لِلْفَضْلِ وَهُوَ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُ نَظَرًا وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ.

وَيُوَلَّى عَلَيْهِ أَيْ يَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَعْتُوهِ لِغَيْرِهِ كَمَا يَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَنُقْصَانُ الْعَقْلِ مَظِنَّةُ النَّظَرِ وَالْمَرْحَمَةِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَلَا يَلِي هُوَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ قُدْرَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَمَّا جَمَعَ الشَّيْخُ بَيْنَ أَوَّلِ أَحْوَالِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَبَيْنَ آخِرِ أَحْوَالِهِ وَالْعَتَهِ ذَكَرَ مَا يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فَقَالَ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجُنُونُ وَالصِّغَرُ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالصِّغَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَوَّلُ أَحْوَالِ الصِّبَا الَّذِي لَا عَقْلَ فِيهِ لِلصَّبِيِّ إلَّا فِي أَنَّ هَذَا الْعَارِضَ أَيْ الْجُنُونَ غَيْرُ مَحْدُودٍ إذْ لَيْسَ لِزَوَالِهِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَنْتَظِرُ لَهُ فَقِيلَ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْمَجْنُونِ عُرِضَ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ الْإِسْلَامُ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَخَّرُ الْعَرْضُ إلَى أَنْ يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَالصِّغَرُ مَحْدُودٌ فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْعَرْضِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ ابْنَهُ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتُرِكَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْقِلَ الصَّبِيُّ وَلَا يَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَحَدٍ فِي الْحَالِ لِأَنَّ لِلصَّغِيرِ حَقَّ الْإِمْسَاكِ لِلنِّكَاحِ بِإِسْلَامِ مِثْلِهِ وَفِي التَّعْجِيلِ تَفْوِيتُهُ وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الْفُرْقَةِ إلَّا تَأْخِيرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا فَسَادٍ فِي الْحَالِ لِأَنَّ عَقْلَ الصَّبِيِّ فِي أَوَانِهِ مَعْهُودٌ عَلَى ذَلِكَ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى فَإِذَا عَقَلَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وَإِنَّمَا صَحَّ الْعَرْضُ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِيمَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ حَقِّ الْعِبَادِ وَوُجُوبُ الْعَرْضِ هَاهُنَا لِحَقِّ الْمَرْأَةِ فَيَتَوَجَّهُ الْخِطَابُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ إسْلَامَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَيَتَحَقَّقُ الْإِبَاءُ مِنْهُ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ الْمَرْأَةِ إلَى الْبُلُوغِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ وَالْمَعْتُوهُ الْعَاقِلُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ يَعْنِي) فِي وُجُوبِ الْعَرْضِ فِي الْحَالِ كَمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْمَعْتُوهِ الْكَافِرِ يَجِبُ الْعَرْضُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْحَالِ كَمَا يَجِبُ فِي إسْلَامِ امْرَأَةِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِأَنَّ إسْلَامَ الْمَعْتُوهِ صَحِيحٌ لِوُجُودِ الْعَقْلِ كَإِسْلَامِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْعَقْلِ لَمْ يَفِدْ الْعَرْضُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْعَرْضُ عَلَى وَلِيِّهِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْ الْمَرْأَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ

فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَضَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَرْضَ عَلَى وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ فِي الْجَامِعِ فَقَالَ مَعْتُوهٌ نَصْرَانِيٌّ زَوَّجَهُ أَبُوهُ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ يُعْرَضُ عَلَى أَبِيهِ الْإِسْلَامُ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَجْنُونُ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَعْتُوهُ عَلَى الْمَجْنُونِ لِأَنَّ الْعَتَهَ يُشَابِهُ الْجُنُونَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمَعْتُوهَ بِالْعَاقِلِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ وَالْمَجْنُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>