للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا النَّوْمُ فَعَجْزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ قُدْرَةِ الْأَحْوَالِ فَأَوْجَبَ تَأَخُّرَ الْخِطَابِ لِلْأَدَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يَمْتَدُّ فَلَا يَكُونُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَرَجٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» وَيُنَافِي الِاخْتِيَارَ أَصْلًا حَتَّى بَطَلَتْ عِبَارَاتُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُصَلِّي إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي حَالِ قِيَامِهِ لَمْ يَصِحَّ قِرَاءَتُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَمَلِ مَعَ سَلَامَتِهَا وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِهِ.

فَيَعْجِزُ الْعَبْدُ بِهِ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَيَعْجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ قُدْرَةِ الْأَحْوَالِ أَيْ يَعْجِزُ عَنْ الْإِدْرَاكَاتِ الْحِسِّيَّةِ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ وَالْأَحْوَالُ أَيْضًا أَفْعَالُهُ الِاخْتِيَارِيَّةُ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالذَّهَابِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ يَعْجِزُ بِالنَّوْمِ عَنْ تَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ الَّتِي يُحَصِّلُ بِهَا هَذِهِ الْأَحْوَالَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْآلَاتِ السَّلِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَفِي عِبَارَةِ أَهْلِ الطِّبِّ هُوَ سُكُونُ الْحَيَوَانِ بِسَبَبِ مَنْعِ رُطُوبَةٍ مُعْتَدِلَةٍ مُنْحَصِرَةٍ فِي الدِّمَاغِ الرُّوحَ النَّفْسَانِيَّ مِنْ الْجَرَيَانِ فِي الْأَعْضَاءِ.

وَقَوْلُهُ: فَعَجَزَ عَنْ كَذَا لَيْسَ بِتَحْدِيدِ النَّوْمِ إذْ الْإِغْمَاءُ وَنَحْوُهُ دَاخِلٌ فِيهِ لَكِنَّهُ بَيَانُ أَثَرِ النَّوْمِ فَأَوْجَبَ تَأْخِيرَ الْخِطَابِ لِلْأَدَاءِ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخِطَابِ يَعْنِي حُكْمَ النَّوْمِ تَأْخِيرُ حُكْمِ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِهِ لَا سُقُوطُ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً بِالِانْتِبَاهِ أَوْ احْتِمَالِ خَلَفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِبَاهِ وَهَذَا لِأَنَّ نَفْسَ الْعَجْزِ لَا يُسْقِطُ أَصْلَ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْعَمَلِ إلَى حِينِ الْقُدْرَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَانُ الْوُجُوبِ وَيَتَكَثَّرَ الْوَاجِبُ فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالنَّوْمُ لَا يَمْتَدُّ عَادَةً بِحَيْثُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ فِي قَضَاءِ مَا يَفُوتُهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَدُّ لَيْلًا وَنَهَارًا عَادَةً وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّوْمُ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْحَرَجِ لَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْأَهْلِيَّةِ لِأَهْلِيَّةِ وُجُودِ الْعِبَادَاتِ بِالذِّمَّةِ وَبِالْإِسْلَامِ وَالنَّوْمُ لَا يُخِلُّ بِهِمَا قَالَ أَبُو الْيُسْرِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا ثُمَّ أَوْضَحَ الشَّيْخُ مَا ذَكَرَ بِإِيرَادِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» الْحَدِيثَ فَإِنَّ قَوْلَهُ «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالنَّاسِي.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُرَغْرِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ حَالَةَ النَّوْمِ وَلَكِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهَا بِعُذْرِ النَّوْمِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً حَالَةَ النَّوْمِ لَمَا كَانَ نَائِمًا عَنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَيُنَافِي الِاخْتِيَارَ أَصْلًا) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَبْقَ لِلنَّائِمِ تَمْيِيزٌ فَلِذَلِكَ بَطَلَتْ عِبَارَاتُ النَّائِمِ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الِاخْتِيَارِ مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَصَارَ كَلَامُهُ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَالِاخْتِيَارِ بِمَنْزِلَةِ أَلْحَانِ الطُّيُورِ فَلَا يُعْتَبَرُ

فَإِنْ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الِاخْتِيَارُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِمَا فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» الْحَدِيثَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَا فِي حَالَةِ النَّوْمِ أَيْضًا قُلْنَا لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الرِّضَاءُ بِالْحُكْمِ وَفِي الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ أَصْلُ الِاخْتِيَارِ مَوْجُودٌ وَإِنْ عُدِمَ الرِّضَاءُ فِيهَا بِالْحُكْمِ فَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهُمَا فَأَمَّا النَّوْمُ فَيُعْدِمُ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَصْلًا فَيَمْنَعُ صَيْرُورَةَ الْعِبَارَةِ كَلَامًا قَوْلُهُ (وَالْمُصَلِّي إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي حَالِ قِيَامِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَا يُعْتَدُّ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ مِنْ الْفَرْضِ لِصُدُورِهَا لَا عَنْ اخْتِيَارٍ وَأَمَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَلَا نَصَّ فِيهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ إنَّهَا تُعْتَدُّ مِنْ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاسْتِرَاحَةِ فَيُلَائِمُهُ النَّوْمُ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْتَسَبَ مِنْ الْفَرْضِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَشَقَّةِ فَلَا يَتَأَدَّى فِي حَالَةِ النَّوْمِ.

وَذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ إذَا نَامَ فِي الْقَعْدَةِ كُلِّهَا ثُمَّ انْتَبَهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>