للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا تَكَلَّمَ النَّائِمُ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَإِذَا قَهْقَهَ النَّائِمُ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ حَدَثًا وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكُونُ حَدَثًا وَقِيلَ يَكُونُ حَدَثًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ جُعِلَتْ حَدَثًا لِقُبْحِهَا فِي مَوَاضِعِ الْمُنَاجَاةِ وَسَقَطَ ذَلِكَ بِالنَّوْمِ وَلَا يَفْسُدُ أَيْضًا لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ.

ــ

[كشف الأسرار]

التَّشَهُّدِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّائِمِ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمَسْقَطِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا تَكَلَّمَ النَّائِمُ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا نَامَ وَتَكَلَّمَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي النَّوْمِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِذَا قَهْقَهَ النَّائِمُ فِي صَلَاتِهِ لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا فَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُفِينِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ حَدَثٌ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الْأَحْدَاثِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ احْتَلَمَ يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَنْزَلَ بِشَهْوَةٍ فِي الْيَقِظَةِ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النَّائِمَ فِي الصَّلَاةِ كَالْمُسْتَيْقِظِ وَبِهَذَا أَخَذَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا، كَذَا فِي الْمُغْنِي.

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهَا تَكُونُ حَدَثًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِالْقَهْقَهَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَلَامِ فِيهَا وَقَدْ زَالَ بِالنَّوْمِ لِفَوَاتِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا تَحَقُّقُ الْحَدَثِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الِاخْتِيَارِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِالنَّوْمِ وَكَأَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدَثًا سَمَاوِيًّا بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَقِيلَ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَلَا تَكُونُ حَدَثًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْفَتَاوَى لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَلَامِ فِي الْقَهْقَهَةِ وَالنَّوْمِ كَالْيَقِظَةِ فِي حَقِّ الْكَلَامِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا قُلْنَا وَأَمَّا كَوْنُهَا حَدَثًا فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ وَقَدْ زَالَ بِالنَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَهْقَهَةَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ حَدَثًا لِزَوَالِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ عَنْ فِعْلِهِ وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَيْ فِعْلَ الْقَهْقَهَةِ مِنْ النَّائِمِ لَا يَكُونُ حَدَثًا وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ) فَكَذَا الْإِغْمَاءُ فُتُورٌ يُزِيلُ الْقُوَى وَيَعْجِزُ بِهِ ذُو الْعَقْلِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً كَذَا فَسَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ آفَةٌ تُوجِبُ انْحِلَالَ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ بَغْتَةً وَإِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالنَّوْمِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْعَقْلِ فَيَبْقَى الْأَهْلِيَّةُ بِبَقَائِهِ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ السَّيْفِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ بِالْإِعْدَامِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ كَمَا يُوَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عَنْهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ زَوَالُ الْعَقْلِ يُعْصَمُ عَنْهُ كَمَا عُصِمَ عَنْ الْجُنُونِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: ٢] وَهُوَ أَيْ الْإِغْمَاءُ أَشَدُّ مِنْ النَّوْمِ يَعْنِي فِي كَوْنِهِ عَارِضًا وَفِي فَوْتِ الِاخْتِيَارِ وَالْقُوَّةِ لِأَنَّ النَّوْمَ فَتْرَةٌ أَصْلِيَّةٌ أَيْ طَبِيعِيَّةٌ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ عَنْهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَخْتَلُّ كَوْنُهُ عَارِضًا وَإِنْ تَحَقَّقَتْ الْعَارِضِيَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ وَلَا يُزِيلُ أَصْلَ الْقُوَّةِ أَيْضًا وَإِنْ أَوْجَبَ الْعَجْزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا وَيُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِالتَّنْبِيهِ وَهَذَا أَيْ الْإِغْمَاءُ عَارِضٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَخْلُو عَنْهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ النَّوْمِ فِي الْعَارِضِيَّةِ وَهُوَ يُنَافِي الْقُوَّةَ أَصْلًا لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ مَرَضٌ مُزِيلٌ لِلْقُوَى وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِفِعْلِ أَحَدٍ بِخِلَافِ النَّوْمِ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْقُوَّةِ مَعَ وُجُودِهَا وَلِهَذَا يَزُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>