للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَإِنَّهُ ضَرْبُ مَرَضٍ وَفَوْتُ قُوَّةٍ حَتَّى كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَعْصُومٍ عَنْهُ وَالْإِغْمَاءُ فِي فَوْتِ الِاخْتِيَارِ وَفِي فَوْتِ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ مِثْلُ النَّوْمِ حَتَّى مَنَعَ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ أَسْنَدُ مِنْهُ لِأَنَّ النَّوْمَ فَتْرَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَهَذَا عَارِضٌ يُنَافِي الْقُوَّةَ أَصْلًا أَلَا يَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا لَمْ يَكُنْ نَوْمُهُ حَدَثًا لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يُوجِبُ الِاسْتِرْخَاءَ لَا مَحَالَةَ وَالْإِغْمَاءُ بِكُلِّ حَالٍ يَكُونُ حَدَثًا وَالنَّوْمُ لَازِمٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَكَانَ النَّوْمُ لِلْمُضْطَجِعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ حَدَثًا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَالْإِغْمَاءُ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ فَوْقَ الْحَدَثِ فَلَمْ يَكُنْ يُلْحَقُ بِهِ وَمُنِعَ الْبِنَاءُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى جَبْرًا لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُنَافِي الْقُدْرَةَ أَصْلًا وَقَدْ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَرَجَ فَيَسْقُطُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَإِذَا بَطَلَ الْأَدَاءُ بَطَلَ الْوُجُوبُ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مِثْلَ النَّوْمِ امْتِدَادُهُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى مَا فَسَّرْنَا

ــ

[كشف الأسرار]

بِالتَّنْبِيهِ

أَلَا تَرَى تَوْضِيحٌ لِكَوْنِهِ أَشَدَّ مِنْ النَّوْمِ يَعْنِي ظَهَرَ أَثَرُ شِدَّتِهِ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ صَارَ الْإِغْمَاءُ حَدَثًا فِي كُلِّ حَالٍ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَالنَّوْمُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ بِذَاتِهِ لَا يُوجِبُ اسْتِرْخَاءَ الْمَفَاصِلِ إلَّا إذَا غَلَبَ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ سَبَبًا لِلِاسْتِرْخَاءِ فَيَكُونُ حَدَثًا ثُمَّ ذَكَرَ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ فَقَالَ وَالنَّوْمُ لَازِمٌ لِلْإِنْسَانِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ كَثِيرَ الْوُقُوعِ فَلِهَذَا كَانَ النَّوْمُ مِنْ الْمُضْطَجِعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ حَدَثًا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ وَقَيَّدَ بِالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَبِعَدَمِ التَّعَمُّدِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا مُتَعَمِّدًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ.

فَأَمَّا إذَا نَعَسَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَمَالَ نَائِمًا حَتَّى اضْطَجَعَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَدَثٌ سَمَاوِيٌّ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ كَمَا لَوْ نَامَ فِي السُّجُودِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَيْنِ فِي الْإِغْمَاءِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَقَالَ وَالْإِغْمَاءُ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ الْحَدَثُ الَّذِي يَغْلِبُ وُجُودُهُ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَهُوَ أَيْ الْإِغْمَاءُ فَوْقَ الْحَدَثِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حَدَثًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مُخِلٌّ بِالْعَقْلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا فِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ فَلَمْ يَلْحَقُ الْإِغْمَاءُ بِالْحَدَثِ لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَمْ تُلْحَقُ الْجَنَابَةُ بِهِ وَمُنِعَ الْبِنَاءُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُضْطَجِعًا كَانَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مُضْطَجِعٍ قَلِيلًا كَانَ الْإِغْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا وَيَخْتَلِفَانِ أَيْ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْخَبَرِ فَيَصْلُحُ الْإِغْمَاءُ عُذْرًا مُسْقِطًا فِي الْبَعْضِ وَلَا يَصْلُحُ النَّوْمُ عُذْرًا مُسْقِطًا بِحَالٍ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُنَافِي الْقُوَّةَ أَصْلًا فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ فِي الْحَالِ لِلْعَجْزِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ يَعْنِي فِي حَقِّ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَرَجَ أَيْ يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِ امْتِدَادِهِ الْحَرَجَ بِدُخُولِ الْوَاجِبِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَيَسْقُطُ بِهِ أَيْ بِالْحَرَجِ أَوْ بِالِامْتِدَادِ أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَنْهُ أَصْلًا يَعْنِي يَسْقُطُ عَنْهُ حَقِيقَةُ الْأَدَاءِ لِلْعَجْزِ وَخَلَفُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَإِذَا بَطَلَ الْأَدَاءُ أَيْ سَقَطَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَصْلًا بَطَلَ الْوُجُوبُ أَيْ نَفْسُ الْوُجُوبِ.

لِمَا قُلْنَا فِي بَابِ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَمَّا سَقَطَ لَمْ تَبْقَ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَهَذَا أَيْ سُقُوطُ الْأَدَاءِ بِالْإِغْمَاءِ عِنْدَ امْتِدَادِهِ اسْتِحْسَانٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْإِغْمَاءِ شَيْءٌ وَإِنْ طَالَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ لِأَنَّهُ مَرَضٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْقُدْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ وَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ كَالنَّوْمِ

وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يَقْصُرُ وَقَدْ يَطُولُ عَادَةً فِي حَقِّ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فَإِذَا قَصُرَ اُعْتُبِرَ بِمَا يَقْصُرُ عَادَةً وَهُوَ النَّوْمُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ وَإِذَا طَالَ اُعْتُبِرَ بِمَا يَطُولُ عَادَةً وَهُوَ الْجُنُونُ وَالصِّغَرُ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ وَامْتِدَادُ الْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>