للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الصَّوْمِ لَا يُعْتَبَرُ امْتِدَادُهُ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ فِي الصَّوْمِ نَادِرٌ وَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الصَّلَاةِ غَيْرُ نَادِرٍ وَفِي ذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ فَلَمْ يُوجِبْ حَرَجًا.

وَأَمَّا الرِّقُّ فَإِنَّهُ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ شُرِعَ جَزَاءً فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهُ فِي الْبَقَاءِ صَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ بِهِ يَصِيرُ الْمَرْءُ عُرْضَةً لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْجُنُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - امْتِدَادُهُ بِاسْتِيعَابِ وَقْتِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُغْمَى عَلَيْهِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَفَرْقٌ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ فَإِنَّ النَّوْمَ عَنْ اخْتِيَارٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ.

وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَضَى الصَّلَوَاتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَوَاتِ فَعَرَفْنَا أَنَّ امْتِدَادَهُ فِي الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْإِغْمَاءُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ مِثْلُ قَوْلِنَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَفِي الصَّوْمِ لَا يُعْتَبَرُ امْتِدَادُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ مُضِيِّهِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي حَقِّهِ لِزَوَالِ عَقْلِهِ بِالْإِغْمَاءِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وَقُلْنَا إنَّ الْإِغْمَاءَ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الصَّوْمِ إلَى زَوَالِهِ لَا فِي إسْقَاطِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ بِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ بِالْحَرَجِ وَلَا تَزُولُ الْأَهْلِيَّةُ بِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ بِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَامْتِدَادُهُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ نَادِرٌ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَحَيَاةُ الْإِنْسَانِ شَهْرًا بِدُونِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا نَادِرَةً فَلَا يَصْلُحُ لِبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَفِي الصَّلَاةِ امْتِدَادُهُ غَيْرُ نَادِرٍ فَيُوجِبُ حَرَجًا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَفِي ذَلِكَ أَيْ فِي اعْتِبَارِ امْتِدَادِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ جَاءَتْ السُّنَّةُ كَمَا بَيَّنَّا فَلَمْ يُوجِبْ حَرَجًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَفِي الصَّوْمِ نَادِرٌ أَيْ لَمْ يُوجِبْ امْتِدَادُهُ فِي الصَّوْمِ حَرَجًا.

قَوْلُهُ (أَمَّا الرِّقُّ) فَكَذَا الرِّقُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الضَّعْفُ يُقَالُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ أَيْ ضَعِيفُ النَّسْجِ وَمِنْهُ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ يَتَهَيَّأُ الشَّخْصُ بِهِ لِقَبُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَيُتَمَلَّكُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا يُتَمَلَّكُ الصَّيْدُ وَسَائِرُ الْمُبَاحَاتِ وَاحْتَرَزَ بِالْحُكْمِيِّ عَنْ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْحُرِّ حِسًّا لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي سَلَامَةِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنَّهُ وَإِنْ قَوِيَ عَاجِزٌ عَمَّا يَمْلِكُهُ الْحُرُّ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَالتَّزَوُّجِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَرِقَّاءُ حَتَّى مُلِكُوا بِالِاسْتِيلَاءِ ثُمَّ إنَّ تَصَرُّفَاتِهِمْ نَافِذَةٌ وَأَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ وَشَهَادَتَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَقْبُولَةٌ وَأَمْلَاكَهُمْ ثَابِتَةٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ وَصْفِ الرِّقِّ فِيهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا حَتَّى صَارُوا عُرْضَةً لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّنَا فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَهُمْ حُكْمُ الْأَحْرَارِ بِنَاءً عَلَى دِيَانَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْحُرْمَةِ فَيَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّهِمْ شُرِعَ أَيْ الرِّقُّ جَزَاءً فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عِبَادَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَيَّرُوا أَنْفُسَهُمْ مُلْحَقَةً بِالْجَمَادَاتِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعُقُولِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ بِالتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ وَحْدَانِيِّتِهِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِالرِّقِّ الَّذِي صَارُوا بِهِ مَحَالَّ الْمِلْكِ وَجَعَلَهُمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِي التَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ وَلِكَوْنِهِ جَزَاءَ الْكُفْرِ فِي الْأَصْلِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً.

وَلَكِنَّهُ فِي الْبَقَاءِ صَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ أَيْ صَارَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ ثَابِتًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاعِيَ فِيهِ مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>