للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ وَصْفٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ فَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ إذَا أَقَرَّ أَنَّ نِصْفَهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ أَنَّهُ يُجْعَلُ عَبْدًا فِي شَهَادَتِهِ وَفِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْجَزَاءِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْتَفَتَ إلَى جِهَةِ الْعُقُوبَةِ فِيهِ حَتَّى يَبْقَى الْعَبْدُ رَقِيقًا وَإِنْ أَسْلَمَ وَصَارَ مَعَ الْأَتْقِيَاءِ وَيَكُونُ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ رَقِيقًا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَزَاءَ وَهُوَ كَالْخَرَاجِ فَإِنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَ عَلَى الْمُسْلِمِ لَكِنَّهُ فِي حَالِ الْبَقَاءِ صَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ لَزِمَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَالْعُرْضَةُ: الْمُعَرَّضُ لِلْأَمْرِ؛ أَيْ الَّذِي نُصِبَ لِأَمْرٍ؛ فُعْلَةٌ مِنْ الْعُرْضِ يُقَالُ فُلَانٌ جُعِلَ عُرْضَةً لِلْبَلَاءِ أَيْ مَنْصُوبًا لَهُ بِحَيْثُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] أَيْ مُعَرَّضًا لَهَا فَتَبْتَذِلُوهُ بِكَثْرَةِ الْحَلِفِ بِهِ وَالْمَعْنَى هَاهُنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ بِسَبَبِ الرِّقِّ يَصِيرُ مُعَرَّضًا وَمَنْصُوبًا لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ أَيْ الِامْتِهَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ وَصْفٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ) أَصْلُهُ التَّجَزُّؤُ بِالْهَمْزِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَيَّنُوا الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعَرَبِ فِي الْمَهْمُوزَاتِ فَصَارَ تَجَزُّوًا بِالْوَاوِ ثُمَّ قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً لِوُقُوعِهَا طَرَفًا مَضْمُومًا مَا قَبْلَهَا فَقَالُوا التَّجَزِّي وَمِثْلُهُ التَّوَضُّؤُ وَالتَّوَضِّي، أَيْ الرِّقُّ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ ثُبُوتًا وَزَوَالًا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَلْخِيّ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ ثُبُوتًا حَتَّى لَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَرَأَى الصَّوَابَ فِي أَنْ يَسْتَرِقَّ أَنْصَافَهُمْ نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْقَهْرُ لَا يَتَجَزَّى إذْ لَا يُتَصَوَّرُ قَهْرُ نِصْفِ الشَّخْصِ شَائِعًا دُونَ النِّصْفِ وَالْحُكْمُ يُبْتَنَى عَلَى السَّبَبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ عُقُوبَةً وَجَزَاءً وَلَا يُتَصَوَّرُ إيجَابُ الْعُقُوبَةِ عَلَى النِّصْفِ مُشَاعًا دُونَ النِّصْفِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي قَبُولِ هَذَا الْوَصْفِ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي اتِّصَافِهِ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي اتِّصَافِهَا بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَهَا فِي آخِرِ دَعْوَى الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَدَلَّ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يُجْعَلُ عَبْدًا فِي شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ حَتَّى لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ مِثْلُهُ لَمْ يُجْعَلَا بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا جُعِلَتْ الْمَرْأَتَانِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِيهَا وَفِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ مِثْلَ الْحُدُودِ وَالْإِرْثِ وَالنِّكَاحِ وَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ الرِّقِّ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الرِّقِّ فِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ وَيَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ يَدِ الْمُسْتَوْلِي حَتَّى لَا يَمْلِكَهُ وَإِنْ قَهَرَهُ كَذَا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ وَثُبُوتُ مِثْلِ هَذِهِ الْقُوَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ دُونَ الْبَعْضِ وَفِي قَوْلِهِ هُوَ ضِدُّهُ إشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ عَدَمِ تَجَزِّيهِ فَإِنَّ الرِّقَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَجَزِّيًا لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِتْقُ مُتَجَزِّيًا لِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الضِّدَّيْنِ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَلَزِمَ مِنْ عَدَمِ تَجَزِّي الرِّقِّ عَدَمُ تَجَزِّي الْعِتْقِ ضَرُورَةً.

وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا حَتَّى أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ حُرًّا أَصْلًا أَيْ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُرِّيَّةٌ فِي الْبَعْضِ وَلَا فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ بَلْ هُوَ رَقِيقٌ فِي شَهَادَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مُكَاتَبٌ جَوَابُ مَا يُقَالُ إنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَمَّا كَانَ مِثْلَ الْعَبْدِ فِي الْأَحْكَامِ فَمَا فَائِدَةُ الْإِعْتَاقِ فَقَالَ إنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>