للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ حَتَّى أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ حُرًّا أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي شَهَادَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُكَاتَبٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِعْتَاقُ انْفِعَالُهُ الْعِتْقُ فَلَا يُتَصَوَّرُ دُونَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِانْفِعَالُ مُتَجَزِّيًا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُتَجَزِّيًا كَالتَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ

ــ

[كشف الأسرار]

مُكَاتَبٌ أَيْ صَارَ حُكْمُهُ بِالْإِعْتَاقِ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمِلْكِ زَالَ عَنْهُ كَمَا زَالَ عَنْ الْمُكَاتَبِ مِلْكُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِالتَّعْجِيزِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْمُكَاتَبِ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَالسَّبَبُ هَاهُنَا إزَالَةُ مِلْكٍ لَا إلَى أَحَدٍ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ اعْتَبَرَ جَانِبَ الشَّرِيكِ فَالْمِلْكُ لَمَّا بَقِيَ عِنْدَهُ فِي نَصِيبِهِ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ فَتَوَقَّفَ فِي الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ وَيَسْقُطَ الْمِلْكُ بِالْكُلِّيَّةِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَظَرَا إلَى جَانِبِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ فِي النِّصْفِ عَمَلًا بِإِضَافَةِ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ.

فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّقَّ وَالْعِتْقَ لَا يَقْبَلَانِ التَّجَزِّيَ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ صَدَرَ الْعِتْقُ مِنْ مُوسِرٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ مُعْسِرٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ وَكَذَلِكَ الرِّقُّ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ مُعْسِرٌ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي رَقِيقًا كَمَا كَانَ يُبَاعُ وَيُوهَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا عَتَقَ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا رَقَّ» وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ فِي النِّصْفِ فَيَثْبُتُ مُوجَبُهُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي اتِّصَافِ الْبَعْضِ مِنْهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْبَعْضِ بِالرِّقِّ لِأَنَّ هَذِهِ أَوْصَافٌ شَرْعِيَّةٌ تُذْكَرُ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمِلْكِ أَنَّهُ زَالَ عَنْ الْبَعْضِ وَبَقِيَ فِي الْبَعْضِ فَاتَّصَفَ الْبَعْضُ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَالْبَعْضُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَقُولُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ النِّصْفُ الَّذِي زَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ حُرٌّ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ رَقِيقٌ إلَّا أَنَّ لِهَذَا الْوَصْفِ آثَارًا مِنْهَا مَا يُمْكِنُ إظْهَارُ الْأَثَرِ فِي الْبَعْضِ وَهُوَ الْمَالِكِيَّةُ وَمِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ وَالْوِلَايَةُ فَأَثْبَتْنَا مَا أَمْكَنَ وَتَوَقَّفْنَا فِيمَا تَعَذَّرَ إلَى حِينِ تَمَامِ الْعِتْقِ

وَالْجَوَابُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُتَضَادَّانِ لَا يَتَجَزَّيَانِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِيثِ مُعَارَضٌ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ أَوْ مَا دَلَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ عَتَقَ مَا عَتَقَ يَعْتِقُ سَمَّاهُ عَتِيقًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ وَمِنْ قَوْلِهِ رَقَّ مَا رَقَّ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ رَقِيقٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ رَقِيقًا أَمْ يَخْرُجُ إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ.

ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَجَزِّي الرِّقِّ وَالْعِتْقِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ الْحَاجِزِ لِلْغَيْرِ عَنْهُ قَابِلٌ لِلتَّجَزُّؤِ ثُبُوتًا وَزَوَالًا بَلْ أَجْمَعَ الْكُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ اثْنَيْنِ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَثَبَتَ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدِهِ يَبْقَى الْمِلْكُ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَزُولُ عَنْ النِّصْفِ الْمَبِيعِ لَا غَيْرُ وَإِذَا عَرَفْت أَحْكَامَ الرِّقِّ وَالْعِتْقِ وَالْمِلْكِ فِي التَّجَزِّيِ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>