للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ مُتَجَزًّى تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّى وَهُوَ الْعِتْقُ

ــ

[كشف الأسرار]

الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ» وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ انْفِعَالُهُ الْعِتْقُ أَيْ لَازِمُهُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَيْهِ يُقَالُ أَعْتَقْتُهُ فَعَتَقَ كَمَا يُقَالُ كَسَرْته فَانْكَسَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِعْتَاقُ بِدُونِ الْعِتْقِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْكَسْرُ بِدُونِ الِانْكِسَارِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِانْفِعَالُ هَاهُنَا وَهُوَ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّيًا ضَرُورَةً كَالتَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ انْفِعَالُ التَّطْلِيقِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَجَزِّيًا لَمْ يَكُنْ التَّطْلِيقُ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ مُتَجَزِّئًا وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ يَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهُ وَنَفَاذُهُ فِي الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْكُلِّ.

وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ إثْبَاتِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي بَابِ الْإِعْتَاقِ وَأَنَّ إعْتَاقَ مَا لَيْسَ بِمَا يَصِحُّ كَالْجَنِينِ وَكَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفًا فِي الْمَالِيَّةِ لَمَا ثَبَتَ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْمَالِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعِتْقِ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَحَقِيقَةُ الْعِتْقِ بِعَدَمِ التَّجَزِّيِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ إعْتَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الشَّرِيكَانِ وَلَدَ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ فِي الْحَالِ فَكَذَا إعْتَاقُ الْقِنَّةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ لَا يَعْتِقُ الْكُلُّ وَلَكِنْ يَفْسُدُ الْمِلْكُ فِي الْبَاقِي حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْغَيْرَ وَلَا أَنْ يُبْقِيَهُ فِي مِلْكِهِ بَلْ يَصِيرَ كَالْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدِ قَوْمٍ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَبْقَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْمُهْلَةِ وَالرِّقِّ وَلِمَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ كُلِّفَ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ» وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَتَقَ كُلُّهُ أَيْ سَيَصِيرُ عَتِيقًا بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ فَكَانَ بَيَانًا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ الرِّقُّ.

وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالْقَوْلِ فَيَتَجَزَّأُ مِنْ الْمَحَلِّ كَالْبَيْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِيَّةِ دُونَ الرِّقِّ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَعْفٍ شَرْعِيٍّ ثَابِتٍ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مُجَازَاةً وَعُقُوبَةً عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا قُلْنَا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ لِأَنَّهُ شُرِعَ عُقُوبَةً بِالْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ حَقُّهُ عَلَى الْخُصُوصِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ حَقًّا لَهُ كَحَدِّ الزِّنَا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَتَعَلُّقُ بَقَاءِ الْمِلْكِ بِبَقَاءِ الرِّقِّ فِي الْمَحِلِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ كَتَعَلُّقِهِ بِالْحَيَاةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِلْمِلْكِ ثُبُوتًا وَبَقَاءً وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَالِيَّةَ كَانَ الْإِعْتَاقُ مِنْهُ تَصَرُّفًا فِي إزَالَةِ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ فَيَقْبَلُ التَّجَزِّيَ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ مُتَجَزٍّ كَالثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَزَالَهُ إلَى الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَانَ إسْقَاطًا لِلْمَالِيَّةِ وَإِسْقَاطُهَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْعِتْقِ فَكَانَ فِعْلُهُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ إزَالَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَمَّ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ يَعْقُبُهُ الْعِتْقُ لَا أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>