للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سُقُوطِ الرِّقِّ وَسُقُوطُ الرِّقِّ حُكْمٌ لِسُقُوطِ كُلِّ الْمِلْكِ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ فَقَدْ وُجِدَ شَطْرُ عِلَّةِ الْعِتْقِ وَصَارَ ذَلِكَ كَإِعْدَادِ الْوُضُوءِ أَنَّهَا مُتَجَزِّيَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّيَةٍ كَذَلِكَ إعْدَادُ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ.

ــ

[كشف الأسرار]

فِعْلُ الْمُزِيلِ مُلَاقِيًا لِلرِّقِّ كَالْقَاتِلِ فِعْلُهُ لَا يَحِلُّ الرُّوحَ وَإِنَّمَا يَحِلُّ الْبِنْيَةَ ثُمَّ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ تَزْهَقُ الرُّوحُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ قَتْلًا وَكَشِرَاءِ الْقَرِيبِ يَكُونُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ التَّمَلُّكِ لَا بِدُونِ الْوَاسِطَةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْإِعْتَاقُ إزَالَةٌ لِمِلْكٍ مُتَجَزٍّ تَعَلَّقَ بِهِ أَيْ بِهَذِهِ الْإِزَالَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِسْقَاطِ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَيْ الْعِتْقَ عِبَارَةٌ عَنْ سُقُوطِ الرِّقِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِعْتَاقِ بِوَاسِطَةٍ أَيْ لَا نَعْنِي ثُبُوتَ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا سُقُوطَ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ الضَّعْفُ الشَّرْعِيُّ لِأَنَّ زَوَالَ الضَّعْفِ يُوجِبُ قُوَّةً بِحَبْسِهِ لَا مَحَالَةَ وَسُقُوطُ الرِّقِّ حُكْمٌ لِسُقُوطِ كُلِّ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرِّقِّ فِي الْأَصْلِ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى الرِّقُّ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ مُحْتَرَمٌ إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِقِيَامِ مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَانَ بَقَاءُ الرِّقِّ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْلَى فَمَا دَامَ حَقُّ الْمَوْلَى قَائِمًا فِي الْمَحَلِّ يَبْقَى الرِّقُّ وَيَنْبَغِي الْعِتْقُ وَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَفَى الرِّقُّ وَحَدَثَ الْعِتْقُ فَثَبَتَ أَنَّ سُقُوطَ الرِّقِّ حُكْمُ سُقُوطِ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْ الْعِتْقَ عِبَارَةٌ عَنْ سُقُوطِ الرِّقِّ تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثُبُوتِ الْقُوَّةِ إلَّا أَنَّ سُقُوطَ الرِّقِّ مِنْ لَوَازِمِهِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ لَيْسَتْ بِعِبَارَةٍ عَنْ زَوَالِ السُّكُونِ بَلْ مَعْنًى يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ زَوَالُ السُّكُونِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْحَرَكَةِ عَنْ زَوَالِ السُّكُونِ وَمِثْلُهُ تَفْسِيرُ الْمَوْتِ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ بِلَازِمِهِ أَوْ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْحَيَاةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَصَارَ ذَلِكَ أَيْ إسْقَاطُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُتَجَزٍّ وَتَعَلُّقُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُتَجَزٍّ بِهِ كَإِعْدَادِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ فَإِنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ فِيهِ وَتَعَلَّقَ بِهَا أَيْ بِغُسْلِهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ حَتَّى كَانَ غَاسِلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مُتَطَهِّرًا وَمُزِيلًا لِلْحَدَثِ عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَيَتَوَقَّفُ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي.

وَكَذَلِكَ أَيْ كَإِعْدَادِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إعْدَادُ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ وَتَعَلَّقَ بِهَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ حَتَّى كَانَ مُوقِعُ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ مُطَلِّقًا وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ عَلَى كَمَالِ الْعَدَدِ فَكَذَا هَاهُنَا إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ حَقَّ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ لَمَّا صَحَّتْ اسْتَحَقَّ أَنْ يُعْتَقَ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ لِلْحَالِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ النَّقْضَ وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ طَرِيقِ السِّعَايَةِ فَيُجْعَلُ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ تَأَخَّرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ وَفِي الْقَوْلِ يُعْتَقُ الْكُلُّ بُطْلَانُ مِلْكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ قَدْ ذَكَرْتُمْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِعَارَةِ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ الْقُوَّةُ وَذَلِكَ مُوجَبُ التَّصَرُّفِ شَرْعًا وَقُلْتُمْ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى إعْتَاقِ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ بِدُونِ دَعْوَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ حَقُّهُ ثُمَّ ذَكَرْتُمْ هَاهُنَا أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُلَاقِيًا لِلْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فَكَانَ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَ حُدُوثِهِ وَأَعْمَلَ الْعِلَّةَ فَيُعْطَى لِتَصَرُّفِهِ حُكْمُ الْعِلَّةِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>