للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الرِّقُّ يُبْطِلُ مَالِكِيَّةَ الْمَالِ لِقِيَامِ الْمَمْلُوكِيَّةِ مَالًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ التَّسَرِّيَ

ــ

[كشف الأسرار]

لَوْ قَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَ الْقِنْدِيلُ يُقَالُ أَسْقَطَ لِأَنَّهُ أَعْمَلَ الْعِلَّةَ وَهِيَ الثِّقَلُ بِإِزَالَةِ الْمَسْكَةِ وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِيَّةِ بِالْإِسْقَاطِ لِإِحْدَاثِ الْعِتْقِ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْعِتْقَ وَبِهِ يُسَمَّى التَّصَرُّفُ ثُمَّ إذَا أَرَدْت الِاسْتِعَارَةَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ بِالتَّصَرُّفِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْقُوَّةِ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التَّصَرُّفِ دُونَ الطَّرِيقِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعِتْقُ غَيْرُ ثَابِتٍ بَعْدُ وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ فَنُرَاعِي مَعْنَى إزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ فَنَقُولُ هُوَ مُتَصَرِّفٌ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ مُتَجَزٍّ وَمَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ قَائِمًا فِي الْمَحَلِّ لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ كَالْقِنْدِيلِ يَبْقَى مُعَلَّقًا مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْكَةِ قَائِمًا

وَعَلَى هَذَا النَّمَطِ يَجْرِي تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ فِي اعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَاعْتِبَارِ طَرِيقِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِيهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عَقْدِ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا إذْ فِيهِ ضَرْبُ جَهَالَةٍ فَيَحْتَمِلُ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ وَأَمَّا فِي عَقْدِ إسْقَاطِ الْمَالِ فَلَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيَثْبُتُ وَإِنَّمَا جَازَ إعْتَاقُ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ فِي الْبَطْنِ مَالٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ مَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ لَا قِيمَةَ لَهَا فَيَصِحُّ إعْتَاقُهَا لِوُجُودِ الْمَالِيَّةِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ لِعَدَمِ التَّقَوُّمِ.

وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ مُدَبَّرَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا صَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَنَصِيبُ الْآخَرِ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا مُكَاتَبًا بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَصِيرُ نَصِيبُ الْآخَرِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَأَمَّا الْقِنَّةُ فَإِنَّمَا يَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَلَكِنْ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي جَمِيعِهَا وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَالنَّسَبُ قَدْ ثَبَتَ فِي جَمِيعِهَا فَقُلْنَا بِانْتِقَالِ مِلْكِ الشَّرِيكِ إلَيْهَا بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُمْكِنًا وَذَلِكَ فِي الْقِنَّةِ دُونَ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ فَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ فِيهِمَا عَلَى نَصِيبِهِ وَيَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِي الْقِنَّةِ وَكَذَا إعْتَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ مُتَجَزٍّ إذْ لَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ إلَّا النِّصْفُ وَلَكِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إبْقَاءِ الرِّقِّ فَإِنَّ رِقَّ أُمِّ الْوَلَدِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْمَالِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ احْتِبَاسِ مِلْكِ الشَّرِيكِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ فَيُعَجِّلُ عِتْقَ الْبَاقِي وَفِي الْقِنَّةِ فِي إبْقَاءِ الرِّقِّ فَائِدَةٌ فَيَبْقَى لِلسِّعَايَةِ

قَوْلُهُ (وَهَذَا الرِّقُّ) أَيْ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِلَفْظِ الْإِشَارَةِ عَنْ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى رِقًّا وَلَا يَمْنَعُ مَالِكِيَّةَ الْمَالِ يُبْطِلُ مَالِكِيَّةَ الْمَالِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْعَبْدُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ وَإِنْ مَلَكَهُ الْمَوْلَى لِقِيَامِ الْمَمْلُوكِيَّةِ مَالًا يَعْنِي مَمْلُوكِيَّتَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِنْسَانِيَّةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ الْعَجْزِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَمَالِكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ كَمَا قُلْنَا فِي مَالِكِيَّةِ غَيْرِ الْمَالِ قُلْنَا لَوْ قِيلَ بِمَالِكِيَّتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَالِكًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَالِكَ مُبْتَذِلٌ لِلْمَالِ وَالْمَالُ مُبْتَذَلٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَذِلُ مُبْتَذَلًا فِي حَالَةٍ بِخِلَافِ مَالِكِيَّةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>