للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَتَّى لَا يَصِحَّ مِنْهُمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ أَصْلِ الْقُدْرَةِ وَهِيَ الْبَدَنِيَّةُ لِأَنَّهَا لِلْمَوْلَى لِأَنَّ مِلْكَ الذَّاتِ يُوجِبُ مِلْكَ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا إلَّا مَا اسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ قُدْرَةِ الْفِعْلِ إذَا حَدَثَتْ وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الْأَصْلِيَّةُ

ــ

[كشف الأسرار]

دَاعِيَةٌ إلَى إثْبَاتِهَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْقَى بِالرِّقِّ أَهْلِيَّةُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ كَمَا لَا يَبْقَى أَهْلِيَّةُ مِلْكِ الْمَالِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ تَصَرُّفًا كَمَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ مَالًا قُلْنَا إنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ تَصَرُّفًا فِي نَفْسِهِ بَيْعًا وَتَرْوِيجًا وَقَدْ فَاتَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ هَذَا التَّصَرُّفِ وَكَانَ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى مَتَى بَاشَرَهُ بِأَمْرِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى لَهُ الْأَهْلِيَّةُ فِي مِلْكِ هَذَا التَّصَرُّفِ كَمَا إنَّهُ لَمَّا يَصِرْ مَمْلُوكًا تَصَرُّفًا عَلَيْهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بَقِيَ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَذَا فِي مَأْذُونِ الْمَبْسُوطِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرِّقَّ يُبْطِلُ مَالِكِيَّةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمِلْكِ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ التَّسَرِّيَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِعْتَاقَ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ.

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لَهُمَا التَّسَرِّي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ يَثْبُتُ بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ كَانَ أَهْلًا بِالطَّرِيقِ الْآخَرِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ الَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِمَّا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ.

وَالْجَوَابُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَكَذَا حُكْمُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلَا تَأْثِيرَ لِإِذْنِ الْمَوْلَى فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ إنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ عِنْدَ قِيَامِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ وَالسُّرِّيَّةُ الْأَمَةُ الَّتِي بَوَّأْتَهَا بَيْتًا وَأَعْدَدْتَهَا لِلْوَطْءِ فُعْلِيَّةٌ مِنْ السَّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ يُقَالُ تَسَرَّرْتُ جَارِيَةً وَتَسَرَّيْت كَمَا يُقَالُ تَظَنَّنْتُ وَتَظَنَيْتُ وَخَصَّ الْمُكَاتَبَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ لِحُرِّيَّتِهِ يَدًا فَيُوهِمُ ذَلِكَ جَوَازَ التَّسَرِّي لَهُ فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِذِكْرِهِ قَوْلُهُ (وَحَتَّى لَا يَصِحَّ مِنْهُمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ) يَعْنِي لَمَّا أَبْطَلَ الرِّقُّ مَالِكِيَّةَ الْمَالِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ وَالِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْحَجِّ وَلَا قُدْرَةَ لِلرَّقِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهَا بِمَنَافِعِ الْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا أَمَّا الْمَالُ فَلِمَا قُلْنَا وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا مَلَكَ رَقَبَتَهُ كَانَتْ الْمَنَافِعُ حَادِثَةً عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الذَّاتِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الصِّفَاتِ فَكَانَتْ مَنَافِعُهُ لِلْمَوْلَى إلَّا مَا اسْتَغْنَى عَلَيْهِ أَيْ الْمَوْلَى فِي سَائِرِ الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الصَّوْمُ الْفَرْضُ وَالصَّلَاةُ الْفَرْضُ لَيْسَتْ لِلْمَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَبْدُ فِيهَا مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ الْمُؤَدَّى قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ نَفْلًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ.

بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا حَجَّ ثُمَّ اسْتَغْنَى حَيْثُ جَازَ مَا أَدَّى عَنْ الْفَرْضِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا شَرْطٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الْأَدَاءِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مِلْكُ الْمَالِ الْمَوْجُودِ وَفِي حَقِّ الْأَفَاقِيِّ لَا يَتَقَدَّرُ الْمَالُ بِنِصَابٍ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ إلَيْهِ الْفَقِيرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَكَانَ أَدَاؤُهُ حَاصِلًا بِمَنَافِعِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ فَكَانَ فَرْضًا فَأَمَّا مَنَافِعُ الْعَبْدِ فَلِمَوْلَاهُ وَبِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا يَخْرُجُ الْمَنْفَعَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّمَا أَدَّاهُ بِمَا هُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ أَدَّى الْكَفَّارَةَ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا يَتَأَدَّى بِتَمْلِيكِ الْمَالِ وَهُوَ لِلْمَوْلَى لَا لِنَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>