للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ فَلِلْيُسْرِ فَلَمْ يَجِبْ وَصَحَّ الْأَدَاءُ.

وَالرِّقُّ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالدَّمُ وَالْحَيَاةُ.

ــ

[كشف الأسرار]

إذَا أَدَّاهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ خَلَفًا عَنْ الظُّهْرِ وَمَنَافِعُهُ لِأَدَاءِ الظُّهْرِ مُسْتَثْنًى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى فَكَانَ أَدَاؤُهُ الْجُمُعَةَ بِمَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ فَجَازَ عَنْ الْفَرْضِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَقَوْلُهُ: فَأَمَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ كَقُدْرَةِ الْبَدَنِ فَكَانَ أَدَاءُ الْفَقِيرِ قَبْلَ هَذِهِ الْقُدْرَةِ أَدَاءً قَبْلَ الْوُجُوبِ كَأَدَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ وَلَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْيُسْرِ يَعْنِي الْيُسْرَ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَجُ وَيَخْرُجُ بِهِ الْوَاجِبُ عَنْ الْإِمْكَانِ الْبَعِيدِ إلَى الْإِمْكَانِ الْعَادِي لَا الْيُسْرُ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ الْوَاجِبُ سَمْحًا سَهْلًا لَيِّنًا كَيُسْرِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَعْوَانٍ وَخَدَمٍ وَمَرَاكِبَ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَلَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ عَلَى الْفَقِيرِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَصَحَّ الْأَدَاءُ مِنْهُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْقُدْرَةِ.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَسْرَارِ السَّبَبُ هُوَ الْبَيْتُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ إذَا جَاءَ وَقْتُهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلُ الْخِطَابِ بِالْحَجِّ وَالْفَقِيرُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ مَلَكَ اسْتِطَاعَةَ الْأَدَاءِ لَكِنْ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ فَتَأَخَّرَ الْوُجُوبُ عَنْهُ إلَى مِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ تَيْسِيرًا لَهُ وَحَقًّا لَهُ فَلَمْ يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ التَّعْجِيلِ كَالْمُسَافِرِ يُعَجِّلُ الصَّوْمَ.

قَوْلُهُ (وَالرِّقُّ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالدَّمُ وَالْحَيَاةُ) لِأَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَصِرْ بِالرِّقِّ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ النِّكَاحُ وَالدَّمُ وَالْحَيَاةُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مَالِكِيَّتُهُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ وَكَانَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُبْقِيًا عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعَ صِفَةِ الرِّقِّ أَهْلٌ لِلْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ وَإِلَى الْبَقَاءِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِقَضَائِهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِأَمَةِ الْمَوْلَى وَطْئًا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِمَالِ مَوْلَاهُ أَكْلًا وَلُبْسًا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ مِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذًا لَا طَرِيقَ لَهُ لِدَفْعِ هَذِهِ الْحَاجَةِ إلَّا النِّكَاحُ فَيَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ.

وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ نَفَاذُهُ مِنْهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَهْرِ وَفِي إيجَابِهِ بِدُونِ رِضَاءِ الْمَوْلَى إضْرَارٌ بِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مَالٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَالِيَّتُهَا حَقُّ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إجَازَتِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ نَفَذَ النِّكَاحُ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ بِدُونِ إجَازَتِهِ وَلَوْ أَجَازَ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ كَانَ الْمَالِكُ لِلْبُضْعِ الْعَبْدَ دُونَ الْمَوْلَى وَيُشْتَرَطُ الشُّهُودُ عِنْدَ النِّكَاحِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ دُونَ الْمَوْلَى وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ مَالِكًا لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ تَحْصِينًا لِمِلْكِهِ عَنْ الزِّنَا الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَلِهَذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمَالِكَ لِلْبُضْعِ بَعْدَ الْإِجْبَارِ دُونَ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمَالِكُ لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ رَفْعُ النِّكَاحِ فَثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ وَكَذَا الدَّمُ وَالْحَيَاةُ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْبَقَاءِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ إلَّا بِبَقَائِهِمَا فَثَبَتَ لَهُ مِلْكُ الدَّمِ وَالْحَيَاةِ كَمَا يَثْبُتُ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إتْلَافَ دَمِهِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>