للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُنَافِي كَمَالَ الْحَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْكَرَامَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ الذِّمَّةِ وَالْحِلِّ وَالْوِلَايَةِ حَتَّى أَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعُفَتْ بِرِقِّهِ فَلَمْ يَحْتَمِلْ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا وَضُمَّتْ إلَيْهَا مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ مَتَى ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَنَّهُ يُبَاعُ بِهِ رَقَبَتُهُ مِثْلُ دَيْنِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ حَاجَتَنَا إلَى ظُهُورِ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى تَأَخَّرَ إلَى عِتْقِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ مِثْلُ دَيْنٍ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ وَمِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَيَدْخُلَ بِهَا لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْبُضْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشُبْهَةِ عَقْدٍ عُدِمَتْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى

ــ

[كشف الأسرار]

وَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ يَسْتَحِقُّ إرَاقَةَ دَمِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْحُرِّ فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَيَصِحُّ وَيُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَتُقْبَلُ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَالْحَيَاةِ.

قَوْلُهُ (وَيُنَافِي) أَيْ الرِّقُّ كَمَالَ الْحَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْكَرَامَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْكَرَامَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُسَاوِي الْحُرَّ فِيهَا لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهَا بِالتَّقْوَى وَلَا رُجْحَانَ لِلْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ فِي التَّقْوَى مِثْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ بِهَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ وَلَا اسْتِيجَابَ وَيَمْتَازُ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَتَكُونُ كَرَامَةً وَالْحِلُّ فَإِنَّ اسْتِفْرَاشَ الْحَرَائِرِ وَتَوْسِعَةَ طُرُقِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَلْزِمُ لُحُوقَ إثْمٍ سَلَامَةُ كَرَامَةٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَلِهَذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزِيَادَةِ شَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ وَالْوِلَايَةُ فَإِنَّهَا تَنْفِيذُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَرَامَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّلْطَنَةِ حَتَّى أَنَّ ذِمَّتَهُ أَيْ ذِمَّةَ الرَّقِيقِ ضَعُفَتْ بِسَبَبِ رِقِّهِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مَالًا بِالرِّقِّ صَارَ كَأَنَّهُ لَازِمُهُ لَهُ أَصْلًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ مُكَلَّفٌ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذِمَّةٌ فَقُلْنَا بِوُجُودِ أَصْلِ الذِّمَّةِ وَلَكِنَّهَا ضَعُفَتْ بِالرِّقِّ فَلَمْ يَحْتَمِلْ الدَّيْنَ أَيْ لَمْ تَقْوَ عَلَى تَحَمُّلٍ بِنَفْسِهَا لِضَعْفِهَا حَتَّى لَا يُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ بِدُونِ انْضِمَامِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْكَسْبِ إلَيْهَا إذَا لَا مَعْنَى لِاحْتِمَالِهَا الدَّيْنَ إلَّا صِحَّةُ الْمُطَالَبَةِ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِهَا فَيُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ كَذِمَّةِ الْمَرِيضِ لَمَّا ضَعُفَتْ بِانْعِقَادِ سَبَبِ الْخَرَابِ وَجَبَ ضَمُّ الْكَسْبِ إلَيْهَا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْكَسْبِ أَنَّ الْعَبْدَ يُسْتَسْعَى فِيهِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ الْكَسْبَ الْمَوْجُودَ فِي يَدِهِ يُصْرَفُ إلَى الدَّيْنِ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَحِينَئِذٍ تُصْرَفُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إلَيْهِ وَلَا تُبَاعُ الرَّقَبَةُ بِالدَّيْنِ مَا بَقِيَ الْكَسْبُ بِالْإِجْمَاعِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بَيْعُهُ فَيُسْتَسْعَى فِي الدَّيْنِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ يُضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِتَحْتَمِلَ الدَّيْنَ قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ مَتَى ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَيْ بِسَبَبٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ يُبَاعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ رَقَبَةُ الْعَبْدِ لَيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمَوْلَى لِهَذَا مِثْلُ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمَحْجُورُ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ يَجِبُ الضَّمَانُ وَيُسْتَوْفَى مِنْ رَقَبَتِهِ إنْ لَمْ يُفْدِهِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فِي يَدِهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِثُبُوتِهِ حِسًّا وَعِيَانًا وَدَيْنُ التِّجَارَةِ بِأَنْ تَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ وَرَكِبَهُ دَيْنٌ يُسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ عِنْدَنَا إنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ وَلَمْ يُفِدْهُ الْمَوْلَى فَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ كَسْبُ الْمَوْلَى فَلَا تُبَاعُ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَشْتَغِلُ بِهَذَا الدَّيْنِ بِالْإِذْنِ وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَشْتَغِلُ غَيْرُ مَالِ التِّجَارَةِ بِدَيْنِهَا لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْغَلُ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>