للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ اُعْتُبِرَ بِالنِّسَاءِ وَعَدَدَ الْأَنْكِحَةِ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ اتِّسَاعِ الْمَالِكِيَّةِ اُعْتُبِرَ فِيهِ رِقُّ الرِّجَالِ وَحُرِّيَّتُهُمْ فَكَانَ الطَّلَاقُ بِالنِّسَاءِ.

ــ

[كشف الأسرار]

وَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الرِّقُّ فَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهِ سَوَاءٌ كَمِلْكِ الطَّلَاقِ وَمِلْكِ الدَّمِ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِالْقَوَدِ وَقُلْنَا إنَّ الرِّقَّ مُؤَثِّرٌ فِي تَنْصِيفِ مَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فِي نَفْسِهِ كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ وَعَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّعَمِ بِوَصْفِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَدْ أَثَّرَ الرِّقُّ لِانْتِصَافِهَا حَتَّى انْتَقَصَتْ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ النِّعَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ لَانْتِصَافِ النِّعْمَةِ وَالْحِلُّ نِعْمَةٌ فَلِذَلِكَ أَثَّرَ الرِّقُّ فِي نُقْصَانِهِ إلَى النِّصْفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إشَارَةُ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا يَقْصُرُ حِلُّ الرِّجَالِ إلَى النِّصْفِ بِالرِّقِّ حِلُّ النِّسَاءِ يَقْصُرُ بِالرِّقِّ إلَى النِّصْفِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحِلَّ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ لِأَجَانِبِ النِّسَاءِ كَمَا هُوَ نِعْمَةٌ لَأَجَانِبِ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلسَّكَنِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْمَحَبَّةِ وَتَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الْوَلَدِ وَالْمَرْأَةُ تَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْأُمُورِ كَالرَّجُلِ وَسَبَبٌ لِحُصُولِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ الدَّارَّةِ وَهُمَا تَخْتَصَّانِ بِهَا فَكَانَ الْحِلُّ نِعْمَةً لِأَحَقِّهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَلَا تَرَى لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ مَعَ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا نَظَرٌ فَكَمَا يَنْتَصِفُ ذَلِكَ الْحِلُّ بِرِقِّ الرَّجُلِ يَنْتَصِفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ وَلَا يُمْكِنُ إظْهَارُ التَّنْصِيفِ لِأَجَانِبِهَا بِتَنْقِيصِ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِوَاحِدٍ فَيَظْهَرُ التَّنْصِيفُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ.

ثُمَّ نَقُولُ الْأَحْوَالُ ثَلَاثٌ حَالُ التَّقَدُّمِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَحَالُ التَّأَخُّرِ عَنْهُ وَحَالُ الْمُقَارَنَةِ وَلَكِنَّ الْحَالَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤ فَتَغْلِبُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ فَيَجْعَلُ الْأَمَةَ مُحَلَّلَةً لِإِحَالَةِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْحُرَّةِ مُحَرَّمَةً لِإِحَالَتَيْ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ أَوْ نَقُولُ لَا الْحَقِيقَةُ لَيْسَ إلَّا حَالَتَيْنِ حَالَةُ الِانْضِمَامِ إلَى الْحُرَّةِ وَحَالَةُ الِانْفِرَادِ عَنْهَا فَنَجْعَلُ مُحَلِّلَةً لِإِحَالَةِ الِانْفِرَادِ مُحَرِّمَةً لِإِحَالَةِ الِانْضِمَامِ إلَى الْحُرَّةِ وَالْعِدَّةُ يَتَنَصَّفُ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ لَا حَقُّ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَيُؤَثِّرُ الرِّقُّ لَا تَنْصِيفُهَا فَكَانَتْ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ وَالطَّلَاقُ يَنْتَصِفُ لِمَا سَنُبَيِّنُ فَكَانَ طَلَاقُهَا اثْنَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا وَطَلَاقُهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا لَكِنَّ الْوَاحِدَ لَا يَقْبَلُ التَّنْصِيفَ فَيَتَكَامَلُ وَلَا يَسْقُطُ لِأَنَّ جَانِبَ الْوُجُودِ رَاجِحٌ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ (لَكِنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقْصُرُ بِالرِّقِّ إلَى النِّصْفِ حَتَّى لَا يَنْكِحَ الْعَبْدُ إلَّا امْرَأَتَيْنِ يَعْنِي أَثَّرَ رِقُّ الرَّجُلِ لَا عَدَدُ الْأَنْكِحَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَثِّرَ لَا عَدَدُ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ مِلْكَ الطَّلَاقِ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَمِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لَكِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ كَذَا وَكَشْفُهُ أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ عِنْدَنَا حَتَّى كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَدُهُ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ رِقُّ الرَّجُلِ وَحُرِّيَّتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُنْتَقَصُ بِرِقِّ أَيِّهِمَا كَانَ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» وَبِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْمَالِكُ لِلطَّلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>