وَلِذَلِكَ يَتَنَصَّفُ الْحُدُودُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَلِذَلِكَ يَتَنَصَّفُ الْقَسَمُ
ــ
[كشف الأسرار]
كَمَا أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُهُ فِيهِ دُونَ حَالِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَمْلُوكَةٌ لَا النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، وَنُقْصَانُ حَالِ الْمَمْلُوكِ بِالرِّقِّ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا الْمَمْلُوكِيَّةَ وَلَا نُقْصَانًا فِيهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ رِقَّ الْمَرْأَةِ فَتَحَ عَلَيْهِ بَابًا مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ كَانَ مَسْدُودًا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا قَبْلَ الرِّقِّ كَانَتْ تُمْلَكُ وَتُوطَأُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ لَا غَيْرُ وَبَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ تُمْلَكُ وَتُوطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ جَمِيعًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهَا مَا كَانَ مَفْتُوحًا قَبْلَهُ بِخِلَافِ رِقِّ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَسُدُّ عَلَيْهِ بَابًا مِنْ الْمِلْكِ كَانَ مَفْتُوحًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ وَبَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَمَّا ظَهَرَ لِرِقِّهِ أَثَرٌ لَا تَنْقُصُ مَالِكِيَّتُهُ النِّكَاحَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِرِقِّهَا أَثَرٌ فِي تَنْقِيصِ الْمَمْلُوكِيَّةِ يُعْتَبَرُ رِقُّهُ فِي تَنْصِيفِ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَمَالِكِيَّتُهُ دُونَ رِقِّهَا.
وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ مَعَ كَمَالِ حَالِ الْمُتَصَرِّفِ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ وَيَنْتَقِصُ بِانْتِقَاصِهِ فَإِنَّ مَنْ مَلَكَ عَبْدًا وَاحِدًا مَلَكَ إعْتَاقًا وَاحِدًا وَمَنْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَلَكَ إعْتَاقَيْنِ وَعَلَى هَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ وَهَاهُنَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ لِتَفْوِيتِ الْحِلِّ الَّذِي صَارَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ فَمَتَى كَانَ حِلُّهَا أَزْيَدَ كَانَ مَحَلِّيَّةُ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا أَوْسَعَ وَعَلَى الْعَكْسِ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَعَدَدُ الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَحِلُّ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ كَمَا أَنَّ حِلَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حِلِّ الْحُرِّ وَإِذَا كَانَ حِلُّهَا عَلَى النِّصْفِ فَإِنَّ نِصْفَ مَا يَفُوتُ بِهِ حِلُّ الْحُرَّةِ وَهُوَ تَطْلِيقَةٌ وَنِصْفٌ - إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاحِدَ لَا يَتَجَزَّأُ - مُكَمِّلٌ وَصَارَ مَا يَفُوتُ بِهِ حِلُّ الْأَمَةِ طَلَاقَيْنِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا صَارَتْ مَحَلَّ النِّكَاحِ بِالْحِلِّ الَّذِي ذَكَرْنَا كَانَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ أَنْقَصَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَالطُّرُقُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ مُسْتَفَادٌ بِهِ فَيُنْتَقَصُ بِنُقْصَانِ النِّكَاحِ كَمَا يُنْتَقَصُ سَائِرُ حُقُوقِهِ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْقَسَمِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْحُرِّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً فَنَقُولُ الرِّقُّ أَثَّرَ فِي حِلِّهِ فَرَدَّهُ مِنْ الْأَرْبَعِ إلَى اثْنَتَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي هَذَا النِّصْفِ كَالْحُرِّ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَشَطِّرَةِ بِأَعْذَارٍ وَأَسْبَابٍ أَنْ يَبْقَى الشَّطْرُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَطْلِيقَةً يُوقِعُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ سِتَّ تَطْلِيقَاتٍ يُوقِعُهَا عَلَى امْرَأَتَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ التَّنْصِيفُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْبَاقِيَ يَنْتَصِفُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مَرَّةً أُخْرَى لَبَقِيَ الرُّبُعُ وَتَأْثِيرُ الرِّقِّ فِي التَّنْصِيفِ لَا فِي التَّرْبِيعِ.
وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الطَّلَاقِ إلَى الرِّجَالِ وَقَوْلُهُ رِقُّ الْأَمَةِ يَفْتَحُ عَلَيْهَا بَابًا مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا يَسُدُّ بَابًا كَانَ مُنْفَتِحًا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُنْفَتِحِ بِالرِّقِّ وَاَلَّذِي كَانَ مُنْفَتِحًا قَبْلَهُ تَنَافٍ بَلْ التَّنَافِي ثَابِتٌ بَيْنَ الْمُتْعَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا ثَبَتَ بَطَلَ الْآخَرُ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَسَدَ النِّكَاحُ ثُمَّ نَقُولُ لَمَّا صَارَتْ عُرْضَةً لِلْمُتْعَةِ بِالْمَالِيَّةِ اخْتَلَّ كَوْنُهَا مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَهْرٌ وَاسْتِذْلَالٌ فَلَا يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النِّعْمَةِ وَالِاسْتِبَاحَةُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ وَازْدِوَاجٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: عَدَدُ الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ تَوَسُّعٌ وَتَسْمِيَةٌ لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَتَعَدَّدُ إذَا اتَّسَعَتْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فَكَانَ اتِّسَاعُ الْمَمْلُوكِيَّةِ مُتَّسِعَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute