للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِمَا قُلْنَا مِنْ انْتِقَاصِ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا انْتَقَصَتْ بِالْأُنُوثَةِ فَوَجَبَ نُقْصَانُ بَدَلِ دَمِهِ عَنْ الدِّيَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

بِخِلَافِ ثَمَّ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ مُتَقَابِلَانِ فَإِذَا كَانَ عَدَدُ الْأَنْكِحَةِ عِبَارَةً عَنْ اتِّسَاعِ الْمَالِكِيَّةِ كَانَ عَدَدُ الطَّلَاقِ عِبَارَةً عَنْ اتِّسَاعِ الْمَمْلُوكِيَّةِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي كَمَالَ الْحَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْكَرَمَاتِ تَنَصَّفَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ تَغَلُّظَ الْعُقُوبَةِ بِتَغَلُّظِ الْجِنَايَةِ وَتَغَلُّظُ الْجِنَايَةِ بِتَوَافُرِ النِّعَمِ فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَمَّا كَمُلَتْ فِي حَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى حَقِّ الْمُنْعِمِ أَعْظَمَ مِنْ جِنَايَةِ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّعْمَةَ لَمَّا كَمُلَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِاسْتِيفَاءِ حَظِّهِ مِنْ الْحُرَّةِ الْمَنْكُوحَةِ كَانَتْ جِنَايَةُ الزِّنَا مِنْهُ أَغْلَظَ حَتَّى اسْتَحَقَّ الرَّجْمَ وَلَمَّا كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ بِتَشَرُّفِهِنَّ بِمُصَاحَبَتِهِ كَانَ شَرْعُ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجِنَايَةِ ضِعْفَ الْعُقُوبَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠] وَقَدْ أَثَّرَ الرِّقُّ فِي تَنْصِيفِ النِّعَمِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ كَمَا بَيَّنَّا أَثَرَهُ فِي تَنْصِيفِ الْعُقُوبَةِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَهَذَا فِي الْحَدِّ الَّذِي يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَأَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَيَتَكَامَلُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فِيهِ سَوَاءٌ تَنَصَّفَ الْقَسْمُ حَتَّى كَانَ لِلْأَمَةِ الثُّلُثُ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ فَيَنْتَصِفُ بِالرِّقِّ كَسَائِرِ النِّعَمِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ» قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مُنَافَاةِ الرِّقِّ كَمَالَ الْحَالِ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً وَجَبَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي قِيمَتُهُ عِنْدَنَا قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَكِنْ لَا تُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا لَا يُزَادُ الْوَاجِبُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَيَتَنَقَّصُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّ مِقْدَارَ الدِّيَةِ مِنْ قِيمَةِ الْعَقْدِ بِتَحَمُّلِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ فِي مَالِ الْجَانِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَعَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ كَذَا فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ وَعَلَى أَنَّ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ مَوْجُودَانِ فِي الْعَبْدِ لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي التَّرْجِيحِ فَرَجَّحْنَا مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَرَجَّحَ الْخَصْمُ الْمَالِيَّةَ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْقِيمَةَ إذْ انْتَقَصَتْ عَنْ الدِّيَةِ تَجِبُ الْقِيمَةُ وَإِنَّ هَذَا الضَّمَانَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فِي الْعَبْدِ مِلْكُ مَالٍ وَأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ جِنْسُ نَقْدِ السُّوقِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِضَمَانِ الْمَالِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبِلِ فِيهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْصَافِ الْمُتْلَفِ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالصِّفَاتُ تُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ دُونَ الدِّمَاءِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْغَصْبِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ النَّفْسِيَّةَ مِنْ الْعَبْدِ مَعْصُومَةٌ مَصُونَةٌ عَنْ الْهَدَرِ مُعْتَبَرٌ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ بِالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ اعْتِبَارُهَا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهَا أَصْلٌ وَالْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ بِهَا فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ لَوْ زَالَتْ بِالْعِتْقِ تَبْقَى النَّفْسِيَّةُ وَلَوْ زَالَتْ النَّفْسِيَّةُ بِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ الْمَالِيَّةُ وَكَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى قَتْلًا لِوُرُودِهِ عَلَى النَّفْسِيَّةِ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُقْصَدُ بِالْقَتْلِ عَادَةً وَإِنَّمَا تُقْصَدُ بِهِ النُّفُوسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>