وَلِهَذَا قُلْنَا فِي صَلَاةٍ فَاتَتْ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِلَا تَكْبِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ عِنْدَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ثُمَّ لَمْ يَسْقُطْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعُذْرِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِكَافَهُ وَلَا يُجْزِئُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ.
قَالُوا: لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا وَجَبَ بِالتَّفْوِيتِ ابْتِدَاءً لَا بِالنَّذْرِ وَالتَّفْوِيتُ سَبَبٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَصَارَ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا قُلْنَا لَا بِنَصٍّ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ
ــ
[كشف الأسرار]
لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي نَافِلَةِ النَّهَارِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَافِلَةٌ مَشْرُوعَةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْمَغْرِبِ (قُلْنَا) إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ كَوْنُ النَّفْلِ مَشْرُوعًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمْيَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَعَ أَنَّ النَّفَلَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا عَلَى صِفَةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ.
، وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي قَضَاءِ الظُّهْرِ وَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا قُلْنَا كَذَا أَوْرَدَ شَيْخِي فِي فَوَائِدِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ نَاقِلًا عَنْ أُسْتَاذِهِ مَوْلَانَا بَدْرِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأُجِيبَ أَيْضًا فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَالصِّفَةِ عَرَفْنَا أَنَّ لَهُ نَفْلًا يَصْلُحُ لِلصَّرْفِ إلَى مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ فِعْلِ الْقَضَاءِ لَا مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ لَا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِالْقَوْلِ ابْتِدَاءً، وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَمْتَلِكَ جَارِيَةَ الِابْنِ وَلَكِنْ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ لَا أَنْ يَمْتَلِكَهَا ابْتِدَاءً وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ يَجِبُ وَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَا عَجَزَ عَنْهُ قُلْنَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِلَا تَكْبِيرٍ أَيْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، إنْ تَرَكَهَا قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ قَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكَبِّرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَيَلْزَمُهُ كَالْمَرِيضِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ بِإِيمَاءٍ فَقَضَاهَا فِي الصِّحَّةِ يَقْضِيهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَأَنَّا نَقُولُ: الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَدَّرًا فَلَوْ كَبَّرَ لِلْفَائِتَةِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ.
؛ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكَبِّرُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْفَوَاتِ، وَأَنَّا نَقُولُ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ إلَّا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ فَيَبْطُلُ بِفَوْتِهِ كَرَمْيِ الْجِمَارِ يَسْقُطُ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَالْجُمُعَةِ وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَصَارَ كَالصَّحِيحِ إذَا نَسِيَ صَلَاةً فَقَضَاهَا فِي الْمَرَضِ يَقْضِيهَا بِإِيمَاءٍ؛ وَإِنْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ لَا يُكَبِّرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْرُوعِ بِدْعَةٌ، فَأَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِجَمَاعَةٍ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ قَائِمٌ وَلَوْ كَبَّرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْمَشْرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيُكَبِّرُ؛ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْفَوَاتِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ جَهْرًا مَشْرُوعٌ فِيهَا، وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ النَّوَافِلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُؤَدَّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّرْفِ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلٌ لِمَا فَاتَ بِجَمَاعَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُكَبِّرْ فِي النَّوَافِلِ احْتِيَاطًا فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ عِنْدَهُمَا لِلتَّكْبِيرِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ صِفَةِ الْجَهْرِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْبِيرِ مَشْرُوعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْأَصْلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ خُفْيَةً (قُلْنَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ مَقْصُودًا يَسْقُطُ الْأَصْلُ بِفَوَاتِهِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِصِفَةِ الْجَهْرِ فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْأَصْلِ بِدُونِ الْوَصْفِ.
قَوْلُهُ (وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ) ، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute