. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَبِنَصٍّ مَقْصُودٍ عِنْدَ آخَرِينَ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الشَّهْرَ سَوَاءٌ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ الْعِلْمِيِّ أَوْ بِالْإِشَارَةِ فَصَامَهُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ الِاعْتِكَافَ مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مُبْتَدَأٍ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ اعْتِكَافًا بِصَوْمٍ لَا أَثَرَ لِلِاعْتِكَافِ فِي وُجُوبِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى قَضَائِهِ فِي شَهْرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِصَوْمٍ لِلِاعْتِكَافِ أَثَرٌ فِي وُجُوبِهِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ عَلَى مَذْهَبِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ ابْتِدَاءً لَا بِالدَّلِيلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْأَصْلُ وَالتَّفْوِيتُ سَبَبٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَيْ لَا يَخُصُّ الْقَضَاءَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَالْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْوِيتَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ ثَانِيًا عَلَى الْإِيجَابِ فَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ.
١ -
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَذَلِكَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ هَذَا وَإِذَا وَجَبَ صَارَ مِنْ ضَرُورَتِهِ إيجَابُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْفَضْلِ أَحَقُّ مِنْ إبْطَالِ الْأَصْلِ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ قَابِلٍ فَقَضَى فِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُ الِاعْتِكَافِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا وُجُودُهُ قَصْدًا كَالطَّهَارَةِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ نَذْرُهُ بِهَذَا الِاعْتِكَافِ فَكَانَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَنْذُورَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ؛ فَإِنْ انْتَقَضَ وَضْؤُهُ يَلْزَمُهُ التَّوَضُّؤُ لِأَدَاءِ الْمَنْذُورِ؛ فَإِنْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ أُخْرَى يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَنْذُورَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، فَكَذَا هَذَا.
، وَلَنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ صَارَ التَّفْوِيتُ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَوْ صَارَ ذَلِكَ النَّذْرُ مُطْلَقًا عَنْ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا هَهُنَا لَكِنَّهُ مِمَّا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ أَصْلًا وَلَمَّا أَثَّرَ النَّذْرُ فِي إيجَابِهِ لَا يَتَأَدَّى بِوَاجِبٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ؛ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ فِيمَا إذَا صَامَ وَلَمْ يَعْتَكِفْ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ صَوْمٍ بِلَا مُوجِبٍ فَيَبْطُلُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْجَبَ الصَّوْمَ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لَجَازَ قَضَاؤُهُ فِي الرَّمَضَانِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الصَّوْمِ مَشْرُوعًا فِيهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَصِحَّةُ أَدَاءِ الِاعْتِكَافِ بِهِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَجُزْ فَعَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى السَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَقْضِي اعْتِكَافَهُ وَلَا يَجْرِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْآخَرِ إشَارَةً إلَى الْوَجْهَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْوِيتَ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ فَلِهَذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا.
، وَقَوْلُهُ لَكِنَّا نَقُولُ اسْتِدْرَاكٌ عَمَّا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ وَلِهَذَا ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute