وَكَذَلِكَ الْخَنَازِيرُ وَجَعَلَ لِنِكَاحِ الْمَحَارِمِ بَيْنَهُمْ حُكْمَ الصِّحَّةِ حَتَّى قَالَ إذَا وَطِئَهَا بِذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ لَوْ قُذِفَا حُدَّ قَاذِفُهُمَا وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ بِذَلِكَ النِّكَاحِ قُضِيَ بِهَا عِنْدَهُ وَلَا يَفْسَخ حَتَّى يَتَرَافَعَا فَإِنْ قِيلَ لَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَانَةَ لَا تَصْلُحُ حُجَّةً مُتَعَدِّيًا، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا وَعَنْ ابْنَةٍ أُخْرَى أَنَّهُمَا تَرِثَانِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا تَرِثُ الْمَنْكُوحَةُ مِنْهُمَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ دِيَانَتَهَا لَا تَصِحُّ حُجَّةً عَلَى الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ وَاسْتِحْقَاقِ الْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ وَإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى مُتْلِفِ الْخَمْرِ وَجَبَ أَنْ لَا تُجْعَلَ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً قُلْنَا عَنْهُ هَذَا تَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ الدِّيَانَةَ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُ نِصْفَ الْعُشْرِ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعُشْرَ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الْحَرْبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ بَلْ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخِنْزِيرِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَعَدَّى وَلَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخَمْرِ لِنَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ فَيَتَعَدَّى وَحَقِيقَةُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نَجْعَلُ الدِّيَانَةَ مُتَعَدِّيَةً؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَقِيَتْ مُتَقَوِّمَةً لَمْ يَثْبُتْ بِالدَّيَّانَةِ إلَّا دَفْعُ الْإِلْزَامِ بِدَلِيلٍ، فَأَمَّا التَّقَوُّمُ فَبَاقٍ عَلَى الْأَصْلِ sss
ــ
[كشف الأسرار]
وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا حَتَّى وَجَبَ الْحَدُّ لَهُمَا عَلَى قَاذِفِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجِبُ وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ بِذَلِكَ النِّكَاحِ قَضَى بِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمْ وَلَوْ رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ حَتَّى يُحْتَمَلَ عَلَى التَّرَافُعِ وَيُفَرَّقُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَيْ دِيَانَةَ الْبِنْتِ الْمَنْكُوحَةِ لَا تَصْلُحُ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً عَلَى الْبِنْتِ الْأُخْرَى وَضَمَّنَ التَّعَدِّي مَعْنَى الْإِجْمَاعِ فَوَصَلَ بِكَلِمَةٍ عَلَى.
فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَمَا لَمْ تُجْعَلْ الدِّيَةُ مُتَعَدِّيَةً فِي الْإِرْثِ وَجَبَ أَنْ لَا تُجْعَلَ مُتَعَدِّيَةً فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا إثْبَاتَ التَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ كَمَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْإِرْثِ.
قَوْلُهُ (هَذَا يَتَنَاقَضُ) أَيْ مَا ذَكَرْت مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّا قَدْ اعْتَبَرْنَا دِيَانَتَهُمْ فِي أَخْذِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُ نِصْفَ الْعُشْرِ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا إذَا مَرُّوا بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ وَالْعُشْرُ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا بِاعْتِبَارِ دِيَانَتِهِمْ وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْأَمْرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذَا ثُمَّ وَلَمْ تُعْتَبَرْ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّنَا لِمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ شَيْئًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَذَا الْأَنْكِحَةُ الَّتِي هِيَ فَاسِدَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَقَعُ صَحِيحَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ إذَا دَانُوا بِصِحَّتِهَا فَإِنَّ عَامَّةَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي ذِمِّيٍّ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرَ نِسْوَةٍ ثُمَّ فَارَقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَيَّتَهُمَا كَانَتْ أَوْ فَارَقَ السِّتَّ مِنْ الْعَشْرِ فِي حَالِ الْكُفْرِ بَقِيَ نِكَاحُ مَنْ بَقِيَ إذَا أَسْلَمُوا عَلَى الصِّحَّةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَرْبِيِّ تَزَوَّجَ خَمْسُ نِسْوَةٍ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا جَمِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَرْبَعَ مِنْهُنَّ وَلَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ تَبَايَعُوا الْخُمُورَ وَتَقَابَضُوا إنَّ الْعُشْرَ يُؤْخَذُ مِنْ أَثْمَانِ الْخُمُورِ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْعَاشِرُ وَإِنْ أَسْلَمُوا بَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْفَسَادِ لَمْ يُطْلَبْ الْمِلْكُ الْفَاسِدُ بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ عَلَى أَصْلِهِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَقَعُ عَلَى الصِّحَّةِ بِلَا خِلَافٍ بِاعْتِبَارِ دِيَانَتِهِمْ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ فَلَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ دِيَانَتُهُمْ فِيمَا بَيْنَنَا لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ مُعْتَبَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَنَاقُضًا وَهَذِهِ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ أَيْ هَذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْنَا أَخْذَ الْعُشْرِ وَإِثْبَاتَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا تُسَمَّى مُتَعَدِّيَةً بِالِاتِّفَاقِ مَعَ وُجُودِ إلْزَامٍ فِيهَا بَلْ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي أَخْذِ الْعُشْرِ مِنْهُمْ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخِنْزِيرِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ الْعُشْرِ بِنَاءً عَلَى دِيَانَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ دَانُوا بِتَقَوُّمِ الْخِنْزِيرِ كَمَا دَانُوا بِتَقَوُّمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ فَأَجَابَ بِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ بِالْحِمَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخِنْزِيرِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ حِمَايَتَهُ لِغَيْرِهِ وَلَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخَمْرِ لِنَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ فَيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَحَقِيقَةُ الْجَوَابِ) كَذَا يَعْنِي مَا قُلْنَا إنَّهُ تَنَاقُضٌ لِمَنْعِ وُرُودِ السُّؤَالِ وَصِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ السُّؤَالِ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نَجْعَلُ الدِّيَانَةَ مُتَعَدِّيَةً فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ.
أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخَمْرِ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً فِي الْأَصْلِ لَكِنْ سَقَطَ تَقَوُّمُهَا بِالنَّصِّ وَدِيَانَتُهُمْ لَمَّا مَنَعْت الْإِلْزَامَ بِالدَّلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute